مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥))
ولمّا ختم سبحانه سورة الصفّ بالترغيب في عبادته والدعاء إليها ، وذكر تأييد المؤمنين بالنصر والظهور على الأعداء ، افتتح هذه السورة ببيان قدرته على ذلك وعلى جميع الأشياء ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ينزّهه عن جميع النواقص كلّ شيء من العلويّات والسفليّات (الْمَلِكِ) القادر على تصريف الأشياء بأيّ وجه أراد (الْقُدُّوسِ) كثير النظافة والنزاهة عن كلّ نقص (الْعَزِيزِ) الغالب الّذي لا يمتنع عليه شيء (الْحَكِيمِ) العالم الّذي يضع الأشياء موضعها.
وبعد إثبات الألوهيّة وصفاتها اللازمة قال في بيان الرسالة وما يتبعها : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) أي : في العرب ، فإنّ الأمّي منسوب إلى أمّة العرب ، لأنّهم كانوا لا يكتبون ولا يقرؤن من بين الأمم. وقيل : بدئت الكتابة بالطائف ، أخذوها من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة من أهل الأنبار. والمعنى : بعث منهم رجلا أمّيّا في قوم أمّيّين.
ووجه النعمة في أنّه جعل النبوّة في أمّيّ : موافقته لما تقدّمت البشارة به في كتب الأنبياء السالفة ، ولأنّه أبعد من توهّم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالحكم الّتي تلاها والكتب الّتي قرأها ، فبذلك يعلم علما ضروريّا بأنّ ما يخبرهم به من أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية على وفق ما في كتبهم