(٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) إِنَّ الْإِنْسانَ) أراد به الناس ، بقرينة الاستثناء بعد (خُلِقَ هَلُوعاً) شديد الحرص ، سريع الجزع عند مسّ المكروه ، كثير المنع عن الخير المقدّر شرعا.
وأصل الهلع : السرعة ، من قولهم : ناقة هلواع أو هلواعة ، أي : سريعة السير. وفي الصحاح : «الهلع : أفحش الجزع. وقد هلع ـ بالكسر ـ فهو هلع وهلوع. وقد جاء في الحديث : «من شرّ ما أوتي العبد شحّ هالع ، وجبن خالع» أي : يجزع فيه ويحزن ، كما يقال : يوم عاصف وليل نائم. ثمّ قال : وقد هلوعت ، أي : أسرعت.
وذئب هلع بلع. فالهلع من الحرص ، والبلع من الابتلاع. والهالع : النعام السريع في مضيّه. والنعامة هالعة» (١).
وعن أحمد بن يحيى أنّه قال : قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع؟ فقلت : قد فسّره الله ، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره. وهو قوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) ناله الضرّ من المرض والفقر (جَزُوعاً) يظهر شدّة الجزع (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ) السعة من المال (مَنُوعاً) يبالغ في المنع والإمساك.
والأوصاف الثلاثة أحوال مقدّرة. والمعنى : أنّ الإنسان لإيثاره الجزع والمنع ، وتمكّنهما منه ، ورسوخهما فيه ، كأنّه مجبول عليهما مطبوع ، وكأنّه أمر خلقيّ وضروريّ غير اختياري ، كقوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (٢). والدليل عليه
__________________
(١) الصحاح ٣ : ١٣٠٨.
(٢) الأنبياء : ٣٧.