أنّه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع. ولأنّه ذمّ ، والله تعالى لا يذمّ فعله.
والدليل عليه أنّه سبحانه استثنى المؤمنين الكاملين الّذين جاهدوا أنفسهم ، وحملوها على المكاره في الطاعات ، وظلفوها (١) عن الشهوات ، حتّى لم يكونوا جازعين ولا مانعين ، فقال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) أي : مواظبون على أدائها ، ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل.
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) كالزكوات والأخماس وسائر حقوق الناس (لِلسَّائِلِ) الّذي يسأل (وَالْمَحْرُومِ) الّذي لا يسأل تعفّفا عنه ، فيحسب غنيّا فيحرم.
(وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) بيوم الجزاء ، تصديقا بأعمالهم ، وهو أن يتعب نفسه في الطاعة ، ويصرف ماله طمعا في المثوبة الأخرويّة ، ولذلك ذكر يوم الدين.
(وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) خائفون على أنفسهم (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) لا يؤمن حلوله بمستحقّيه.
وقيل : معناه : يخافون أن لا تقبل حسناتهم ، ويؤخذون بسيّئاتهم. وذلك لأنّ المكلّف لا يعلم هل أدّى الواجب كما أمر به؟ وهل انتهى عن المحظور على ما نهي عنه؟ فهذا اعتراض يدلّ على أنّه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذاب الله ، وإن بالغ في طاعته ، بل يكون بين الخوف والرجاء.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) المتجاوزون عن حدود الله. وقد سبق (٢) تفسير هذه الآيات الثلاث في سورة المؤمنين.
__________________
(١) ظلف نفسه عن الشيء : منعها من أن تفعله وكفّ عنه.
(٢) راجع ج ٤ ص ٤٢٦ ، ذيل الآية ٥ ـ ٧ من سورة المؤمنون.