(١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))
ولمّا قدّم في سورة الشمس بيان حال المؤمن والكافر ، أتبعه سبحانه بمثل ذلك في هذه السورة ، فاتّصلت بها اتّصال النظير بالنظير ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) أي : يغشى الشمس ، كقوله :
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) (١). أو النهار ، كقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) (٢). أو كلّ ما يواريه بظلامه ، كقوله : (إِذا وَقَبَ) (٣).
(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) ظهر بزوال ظلمة الليل ، أو تبيّن وانكشف بطلوع الشمس. وهما أعظم النعم ، إذ لو كان الدهر كلّه ظلاما لما أمكن الخلق طلب معايشهم ، ولو كان كلّه ضياء لما انتفعوا بسكونهم وراحتهم ، فلذلك كرّر سبحانه ذكر الليل والنهار في السورتين.
(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) والقادر العظيم القدرة الّذي خلق من ماء واحد صنفي الذكر والأنثى ، من كلّ نوع له توالد. أو آدم وحوّاء. وقيل : «ما» مصدريّة ، أي : وخلقهما. وجاز إضمار اسم الله ، لأنّه معلوم لانفراده بالخلق ، إذ لا خالق سواه.
قيل : إنّ الله لم يخلق خلقا من ذوي الأرواح ليس بذكر ولا أنثى. والخنثى وإن أشكل أمره عندنا ، فهو عند الله غير مشكل ، بل معلوم بالذكورة أو الأنوثة.
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) إنّ مساعيكم لأشتات مختلفة. جمع شتيت. يعني : أعمالكم مختلفة ، فعمل للجنّة ، وعمل للنار.
__________________
(١) الشمس : ٤.
(٢) الأعراف : ٥٤.
(٣) الفلق : ٣.