إلّا عانه وصرعه. فأراد بعض العيّانين على أن يقول في رسول الله بمثل هذا القول ، فقال له حين قراءته : لم أر كاليوم رجلا مثله ، فعصمه الله. فنزلت :
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) بأن يصيبوك بالعين. «وإن» هي المخفّفة ، واللام دليلها. وفي الحديث : «إنّ العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر».
ويكون ذلك من خصائص بعض النفوس ، فإنّه غير ممتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة بصحّة ذلك لضرب من المصلحة ، وعليه إجماع المفسّرين ، وجوّزه العقلاء ، فلا مانع منه.
وجاء في الخبر : «أنّ أسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ قال : نعم ، فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين».
وعن الحسن : دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية.
وقرأ نافع : ليزلقونك. من : زلقته فزلق ، كحزنته فحزن.
(لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أي : القرآن. وعن الزجّاج : معنى الآية : أنّهم من شدّة تحديقهم وحدّة نظرهم إليك شزرا (١) بعيون العداوة والبغضاء ، بحيث يكادون يزلّون قدمك ، أو يهلكونك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد ، حسدا على ما أوتيت من النبوّة والكتاب. من قولهم : نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني ويكاد يأكلني ، أي : لو أمكنه بنظره الصرع والأكل لفعله. (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) حيرة في أمره وتنفيرا عنه ، وإلّا فقد علموا أنّه أعقلهم.
ولمّا نسبوا الجنون إليه لأجل القرآن ، بيّن أنّه ذكر عامّ ، لا يدركه ولا يتعاطاه إلّا من كان أكمل الناس عقلا وأمتنهم رأيا ، فقال : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ذكر عامّ وموعظة تامّة ، فكيف يجنّن من جاء بمثله؟!
__________________
(١) شزر الرجل وإليه : نظر إليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب.