ولمّا عدّد النعم الذاتيّة أتبعه ذكر النعم الخارجيّة ، وهي ما يحتاج إليه في التعيّش ، فقال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) مطعمه الّذي يعيش به ، ويتفكّر كيف دبّرنا أمره من أسباب التعيّش.
ثمّ استأنف بيان كيفيّة إحداث الطعام بقوله : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) يعني : الغيث. وقرأ الكوفيّون بالفتح (١) على البدل من «طعامه» بدل الاشتمال.
(ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) أي : بالنبات. أو بالكراب (٢) على البقر. وحينئذ أسند الشقّ إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب.
(فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا) جنس الحبوب الّتي يتقوّت بها ، كالحنطة والشعير (وَعِنَباً) خصّه لكثرة منافعه (وَقَضْباً) يعني : الرطبة. والمقضاب : أرضه.
سمّيت بمصدر : قضبه إذا قطعه ، لأنّها تقضب مرّة بعد اخرى.
(وَزَيْتُوناً) يعصر عنه الزيت (وَنَخْلاً) جمع نخلة (وَحَدائِقَ غُلْباً) يحتمل أن يجعل كلّ حديقة غلباء. فيريد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها ، كما تقول : حديقة ضخمة. وأن يجعل شجرها غلبا ، أي : عظاما غلاظا. والأصل في الوصف بالغلب : الرقاب ، فاستعير.
(وَفاكِهَةً) وسائر ألوان الفواكه (وَأَبًّا) ومرعى. من : أبّ إذا أمّ ، لأنّه يؤمّ وينتجع (٣). والأبّ والأمّ أخوان. أو من : أبّ لكذا إذا تهيّأ له ، لأنّه متهيّئ للرعي. أو فاكهة يابسة تؤبّ للشتاء. ونقل في الكشّاف (٤) عن أبي بكر أنّه سئل عن الأبّ ، فقال : أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به.
__________________
(١) أي : بفتح همزة : أنّا.
(٢) كرب الأرض كرابا : قلّبها وحرثها.
(٣) في هامش الخطّية : «النجعة بالضمّ : طلب الكلأ في موضعه. منه».
(٤) الكشّاف ٤ : ٧٠٤.