الفعلين يحتمل أن يكون لليهود أو للمنافقين.
ثمّ خاطب المؤمنين بقوله : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) مصدر للفعل المبنيّ للمفعول ، أي : أشدّ مرهوبيّة في صدورهم. وهذا دلالة على نفاقهم ، يعني : أنّهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب (فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) فإنّ استبطان رهبتكم سبب لإظهار رهبة الله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يعلمون عظمة الله حتّى يخشوه حقّ خشيته ، ويعلموا أنّه الحقيق بأن يخشى.
(لا يُقاتِلُونَكُمْ) اليهود والمنافقون ، أي : لا يقدرون على مقاتلتكم (جَمِيعاً) مجتمعين متساندين (إِلَّا) كائنين (فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بالدروب والخنادق (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) يرمونكم دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم ، لفرط رهبتهم. وقرأ ابن كثير وابو عمرو : جدار. وأمال أبو عمرو فتحة الدال.
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي : ليست رهبتهم منكم لضعفهم وجبنهم ، فإنّه يشتدّ بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا ، بل لقذف الله الرعب في قلوبهم ، وتأييد الله ونصرته معكم. ولأنّ الشجاع يجبن ، والعزيز يذلّ ، إذا حارب الله ورسوله.
(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) مجتمعين متّفقين في الظاهر (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرّقة ، لافتراق دواعيهم وأهوائهم ، واختلاف آرائهم ومقاصدهم ، لأنّ بينهم إحنا وعداوات ، خذلانا وتخلية من الله ، فلا يتعاضدون حقّ التعاضد ، ولا يرمون عن قوس واحدة.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) ما فيه صلاحهم ، وأنّ تشتّت القلوب يوهن قواهم. وفيه تجسير للمؤمنين ، وتشجيع لقلوبهم على قتالهم.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : مثل اليهود كمثل أهل بدر أو بني قينقاع إن صحّ أنّهم أخرجوا قبل النضير. أو المهلكين من الأمم الماضية. (قَرِيباً) في زمان قريب. وانتصابه بـ «مثل» ، على تقدير : كوجود مثل. (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) سوء