وروى محمد بن مسلم وزرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهالسلام : «أنّ التبتّل هنا رفع اليدين في الصلاة». وفي رواية أبي بصير قال : «هو رفع يدك إلى الله ، وتضرّعك إليه».
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) خبر محذوف ، أي : هو ربّ العالم بما فيه ، والمتصرّف فيما بينهما ، والمدبّر لما بينهما. أو مبتدأ خبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : ربّ المشرقين لا أحد يحقّ له العبادة سواه. وقرأ ابن عامر والكوفيّون غير حفص ويعقوب بالجرّ على البدل من «ربّك». وقيل : بإضمار حرف القسم ، وجوابه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
(فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) حفيظا للقيام بأمرك ، واعتمد عليه ، وفوّض أمرك إليه. وهذا مسبّب عن التهليل ، فإنّ توحّده بالألوهيّة يقتضي أن توكّل إليه الأمور.
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من التكذيب والأذى ، والنسبة إلى السحر والكهانة (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) بأن تجانبهم وتداريهم ، ولا تكافئهم ، وتكل أمرهم إلى الله ، كما قال مهدّدا للكفّار : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) والّذين يكذّبونك فيما تدعوهم إليه ، من التوحيد وإخلاص العبادة ووقوع البعث والجزاء. ونصبه على أنّه مفعول معه. والمعنى : دعني وإيّاهم ، وكل إليّ أمرهم ، فإنّ بي غنية عنك في مجازاتهم ، فلا تشغل نفسك بمجازاتهم. (أُولِي النَّعْمَةِ) أرباب التنعّم. يريد صناديد قريش. وقيل : نزلت في المطعمين ببدر ، وهم عشرة ، ذكرناهم في الأنفال (١). (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) زمانا أو إمهالا قليلا. وهذا أيضا وعيد ، ولم يكن إلّا يسيرا حتّى كانت وقعة بدر.
ثمّ علّل الأمر المذكور بقوله : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) جمع النكل ، وهو القيد الثقيل
__________________
(١) راجع ج ٣ ص ٣٨ ، ذيل الآية ٣٦ من سورة الأنفال.