باب الهمزتين إذا التقتا
وذلك على ضربين : فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة (١) وضرب في كلمتين منفصلتين اعلم أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بدّ من إبدال الآخرة ولا تخفف فمن ذلك قولك في فاعل جائي أبدلت مكانها الياء ؛ لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفا نحو : آدم لانفتاح ما قبلها قال : وسألت الخليل عن فعلل من جئت فقال : جيأي
__________________
(١) لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان في النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة والعقبة المتكلف صعودها ، فلهذا سمي تخفيفها تسهيلا ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع الإبدال والنقل وجعلها بين بين وتجتمع الأنواع الثلاثة في باب وقف حمزة وهشام وللنقل باب مختص به والإبدال له باب الهمز المفرد وهو يقع في المتحركة والساكنة ، ، وأما النقل وبين بين فلا يكونان إلا في المتحركة وهذا الباب وما بعده مختصان بما يسهل بين بين ويقع فيهما ذكر الإبدال قليلا ولفظ التسهيل ، وإن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة والمعنى إلا أنه قد صار في اصطلاح القراء وكثرة استعمالهم وتردده في كلامهم كالمختص ببين بين أي تكون الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها وقد بين ذلك في آخر الباب الذي بعد هذا ، ثم الهمزة الأولى في هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتي قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه في مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو (قل أؤنبئكم) ـ (قلءأنتم أعلم) ـ (قل أئنكم لتكفرون) ، وهذا سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى ، وأخرى بمعنى أخيرة أي الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة وهي الثانية والأصل الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى ، (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى ،) ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى ،) وقال تعالى في موضع آخر (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ،) فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى في قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ،) وقال تعالى أيضا (قالَتْ أُخْراهُمْ) و (قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ ،) أي الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة ومنه قوله جاء بي في أخريات الناس أي أواخرهم ولا أفعله أخرى الليالي أي أبدا ، فالهمزة الأخيرة من همزتين وهي الثانية تسهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة وبين الهمزة والياء إن كانت مكسورة وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة والذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله سما وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وسما خبر قوله وتسهيل أخرى همزتين وإنما صح الابتداء بلفظ تسهيل وهو نكرة لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا بكلمة صفة لهمزتين أي كائنتين بكلمة كقولك بيت رجل ذي علم مقصود.