فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي
اعلم أن أصل الدعاء أن يكون على لفظ الأمر وإنما استعظم أن يقال أمر والأمر لمن دونك والدعاء لمن فوقك ، وإذا قلت : اللهم اغفرلي فهو كلفظك إذا أمرت فقلت : يا زيد أكرم عمرا وكذلك إذا عرضت فقلت : انزل فهو على لفظ اضرب وقد يجيء الأمر والنهي والدعاء على لفظ الخبر إذا لم يلبس تقول : أطال الله بقاءه فاللفظ لفظ الخبر والمعنى دعاء ولم يلبس لأنك لا تعلم أنّ الله قد أطال بقاءه لا محالة فمتى ألبس شيء من ذا بالخبر لم يجز حتى يبين فتقول على ذا : لا يغفر الله له ولا يرحمه ، فإن قلت : لا يغفر الله له ويقطع يده لم يجز أن تجزم (يقطع) ؛ لأنه لا يشاكل الأول ؛ لأن الأول دعاء عليه ، وإذا جزمت (يقطع) فقد أردت : ولا يقطع الله فهذا دعاء له فلا يتفق المعنى ، وإذا لم يتفق لم يجز النسق.
وكذلك إذا قلت : ليغفر الله لزيد ويقطع يده لم يجز جزم (يقطع) لإختلاف المعنى ولكن يجوز في جميع ذا الرفع فيكون لفظه لفظ الخبر والمعنى الدعاء ، وإذا أسقطت اللام ولا رفعت الفعل المضارع فقلت : يغفر الله
لك وغفر الله لك وقال الله عز وجل : (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) [يوسف : ٩٢] وقال : (فَلا يُؤْمِنُوا) وقال الله تبارك وتعالى : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) باللام [يونس : ٨٨].
وقال قوم : يجوز الدعاء بلن مثل قوله : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص : ١٧].
وقال الشاعر :
لن تزالوا كذلكم ثم لا زلت لهم |
|
خالدا خلود الجبال (١) |
__________________
(١) قوله : لن يزالوا بالياء التحتية بضمير الغيبة الراجع لمجموع من ذكر ممن قتلوا ، وأسروا ، ونهبوا من الأعداء ، وممن غزا معه وقتل وغنم من الأولياء. وقوله : لا زلت بالخطاب ، ولهم بضمير الغيبة. فظهر من هذا أن روايته في كتب النحو لن تزالوا بالخطاب ولا زلت لكم بالتكلم والخطاب ، على خلاف الرواية الصحيحة.
وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب. وهو شاعر جاهلي.
وقد اشتبه على العيني فقال : قائل :
رب رفد هرقته ذلك اليو ... م ... البيت