اعلم أن الأفعال على ضروب ثلاثة : فضرب منها يقين وهو علمت وضرب هو لتوقع الشيء نحو : رجوت وخفت وضرب هو بينهما يحمل على ذا وعلى ذا نحو : ظننت وحسبت.
واعلم أن (أنّ) إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك وأن الخفيفة إنما هي لما لم يقع نحو قولك : أريد أن تذهب فإذا كانت أن الخفيفة بعد (علمت) فهي مخففة من الثقيلة ، وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضا مما حذف.
وجعلوا حذفها دليلا على الإضمار وقد ذكروا فيما تقدم و (أن) التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفت. تقول : خفت أن لا تفعل.
فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين : إن كان حسبانك قد استقر كانت مخففة من الثقيلة ، وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(١) [المائدة : ٧١]. تقرأ بالرفع والنصب.
فمن رفع فكأنه أراد وحسبوا أن لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا.
وقد حكي عن المازني نحو منه ثم يتسعون فيحملون (رجوت) على علمت إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها.
__________________
(١) واختلفوا في رفع النون ونصبها من قوله جل وعز : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ.)
فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر : أن لا تكون فتنة نصبا.
وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : أن لا تكون فتنة رفعا.
ولم يختلفوا في رفع (فتنة).
قيل : إن المراد بقوله : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ :) حسبوا أن لا تكون فتنة بقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.)
قال أبو علي : الأفعال على ثلاثة أضرب : فعل يدل على ثبات الشيء واستقراره ، وذلك نحو : العلم والتيقن والتبين والتثبت.
وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات [الحجة للقراء السبعة ٣ / ٢٤٧].