بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
نجز الجزء الأوَّل ـ ولله الحمد ـ من هذا الكتاب ، بعد أن أَلْمَسَكَ باليد حقيقة ناصعة هي من أجلى الحقائق الدينيّة ، ألا وهي : مغزى نصِّ الغدير ومفاده ، ذلك النصُّ الجليُّ على إمامة مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، بحيث لم يدع لقائل كلمةً ، ولا لمجادل شبهة في تلك الدلالة ، وقد أوعزنا في تضاعيف ذلك البحث الضافي إلى أنَّ هذا المعنى من الحديث هو الذي عرفته منه العرب منذ عهد الصحابة الوعاة له وفي الأجيال من بعدهم إلى عصرنا الحاضر.
فهو معنى اللفظ اللغويّ المراد لا محالة قبل القرائن المؤكِّدة له وبعدها ، وقد أسلفنا نزراً من شواهد هذا المدّعى ، غير أنَّه يروقنا هاهنا التبسّط في ذلك ، بإيراد الشعر المقول فيه ، مع يسيرٍ من مكانة الشاعر وتوغّله في العربيّة ، ليزداد القارئ بصيرةً على بصيرته.
إلاّ أنَّ كلاّ من أولئك الشعراء الفطاحل ـ وقل في أكثرهم العلماء ـ معدود من رواة هذا الحديث ، فإنَّ نظمهم إيّاه في شعرهم القصصي ليس من الصور الخياليّة الفارغة ، كما هو المطّرد في كثير من المعاني الشعريّة ، ولدى سواد عظيم من الشعراء ، ألم ترهم في كلِّ وادٍ يهيمون؟ لكنّ هؤلاء نظموا قصّةً لها خارجٌ ، وأفرغوا ما فيها من كَلِمٍ منثورة أو معانٍ مقصودة ، من غير أيِّ تدخّل للخيال فيه ، فجاء قولهم كأحد الأحاديث المأثورة ، فتكون تلكم القوافي المنضّدة في عقودها الذهبيّة من جملة المؤكِّدات لتواتر الحديث.
ومن هنا لم نعتبر في بعض ما أوردناه أن يكون من علّيّة الشعر ، ولا لاحظنا تناسبه لأوقات نبوغ الشاعر في القوّة ، لما ذكرناه من أنَّ الغاية هي روايته للحديث وفهمه المعنى المقصود منه ، ولن تجد أيَّ فصيح من الشعراء والكتّاب تشابهت ولائد فكرته في القوّة والضعف في جميع أدواره وحالاته.