وجوهك كان لك عدّة ، ولكنّي أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي ، وأمّا ما أوصيتني به من الرفق والإحسان ، فالله تعالى هو المستعان على ذلك.
فخرج قيس في سبعة نفر من أهله ، حتى دخل مصر مستهل ربيع الأوّل ، فصعد المنبر فجلس عليه خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : الحمد للهِ الذي جاء بالحقِّ ، وأمات الباطل ، وكبت الظالمين. أيّها الناس ، إنّا بايعنا خير من نعلم بعد نبيِّنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنّة رسوله ، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.
فقام الناس فبايعوا واستقامت مصر وأعمالها لقيس ، وبعث عليها عمّاله ، إلاّ أنَّ قريةً منها يقال لها : خربتا (١) قد أعظم أهلها قتل عثمان ، وبها رجل من بني كنانة يقال له : يزيد بن الحارث ، فبعث إلى قيس : إنّا لا نأتيك ، فابعث عمّالك ، فالأرض أرضك ، ولكن أقرّنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس.
ووثب محمد بن مسلمة بن مخلّد بن صامت الأنصاري ، فنعى عثمان ودعا إلى الطلب بدمه ، فأرسل إليه قيس : ويحك أعليَّ تثب؟ والله ما أحبُّ أنَّ لي ملك الشام ومصر وأنَّي قتلتك! فَاحْقِنْ دَمَكَ. فأرسل إليه مسلمة : إنّي كافٌّ عنك ما دمت أنت والي مصر. وكان قيس له حزمٌ ورأيٌ (٢).
خرج أمير المؤمنين عليهالسلام إلى الجمل وقيس على مصر ، ورجع من البصرة إلى الكوفة وهو بمكانه ، ووليها أربعة أشهر وخمسة أيّام ، دخلها كما مرَّ في مستهلِّ ربيع الأوّل ، وصرف منها لخمس خلون من رجب ، كما في الخطط للمقريزي (٣) ، فما في
__________________
(١) بفتح الخاء وكسرها وكسر الراء المهملة ثمّ الموحَّدة الساكنة. (المؤلف)
(٢) تاريخ الطبري : ٥ / ٢٢٧ [٤ / ٥٤٩ ٥٥٠ حوادث سنة ٣٦ ه] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ١٠٦ [٢ / ٣٥٤ حوادث سنة ٣٦ ه] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٣ [٦ / ٥٩ خطبة ٦٧] نقلاً عن كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي [ص ١٢٧ ـ ١٣٠]. (المؤلف)
(٣) الخطط والآثار : ٢ / ٣٣٦.