جندب مائة ألف درهم ليروي أنّ قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (١) نزل في ابن ملجم أشقى مراد. وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (٢) الآية. نزل في عليّ أمير المؤمنين. فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل (٣) ، وله من نظائر هذا شيءٌ كثيرٌ.
فليس من البِدع اختلاقه على قيس ، وهو يفتعل على سيِّده النبيِّ الأطهر ما لم يقله ، وعلى أمير المؤمنين ما لم يكن ، وعلى سروات المجد من بني هاشم الأطيبين ما هم عنه بُعداء. فهو مبتدع هذه الخزايات العائدة عليه وعلى لفيفه في عهد ملوكيّته المظلم ، وعلى هذا كان دينه وديدنه ، ثمَّ تمرّنت رواة السوء من بعده على رواية الموضوعات ، وشاعت وكثرت ، إلى أن ألقت العلماء وحفظة الحديث في جهود متعبة بالتأليف ، في تمييز الموضوع من غيره ، والخبيث من الطيِّب.
لم يزل معاوية دائباً على ذلك متهالكاً فيه ، حتى كبر عليه الصغير ، وشاخ الكهل ، وهرم الكبير ، فتداخل بغض أهل البيت عليهمالسلام في قلوب ران عليها ذلك التمويه ، فتسنّى له لعن أمير المؤمنين عليهالسلام وسبّه في أعقاب الصلوات في الجمعة والجماعات! وعلى صهوات المنابر في شرق الأرض وغربها ، حتى في مهبط وحي الله المدينة المنوّرة.
قال الحموي في معجم البلدان (٤) (٥ / ٣٨) : لُعن عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه على منابر الشرق والغرب ، ولم يُلعن على منبر سجستان إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أميَّة حتى زادوا في عهدهم : وأن لا يُلعن على منبرهم أحدٌ. وأي شرف أعظم من امتناعهم
__________________
(١) البقرة : ٢٠٧.
(٢) البقرة : ٢٠٤.
(٣) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٣٦١ [٤ / ٧٣ خطبة ٥٦]. (المؤلف)
(٤) معجم البلدان : ٣ / ١٩١.