العيون بادئ بدء ، وهي أوّل ما يقع عليه النظر من الإنسان قبل كلّ ما انحنت عليه أضالعه ، من جأشٍ رابط ، وبطولة وبسالة ، ودهاء وحزم ، ولذلك قيل : إنَّ للهيئة قسطاً من الثمن ، وهذا في الملوك والأمراء ، وذوي الشؤون الكبيرة آكد ، فإنَّ الرعيّة تتفرّس في العظيم في جثّته عِظماً في معنويّاته ، وتترسّم منه كبر نفسيّاته ، وشدّة أمره ، ونفوذ عزائمه ، وترضخ له قَبل الضئيل ، الذي يحسب أنَّه لا حول له ولا طَول ، وأَنَّه يضعف دون إدارة الشؤون طوقه وأوقه (١) ، ولذلك إنَّ الله سبحانه لمّا عرّف طالوت لبني إسرائيل مَلِكاً عرّفه بأنّه أوتي بسطة في العلم والجسم ، فبعلمه يدير شئون الشعب الدينيّة والمدنيّة ، ويكون ما أُوتي من البسطة في الجسم ، من مؤكّدات الأبَّهة والهيبة ، التي هي كقوّة تنفيذيّة. لموادِّ العلم وشؤونه.
إنَّ سيِّد الأنصار قيساً ، لمّا لم يدع الله سبحانه شيئاً من صفات الفضيلة ظاهرةً وباطنةً إلاّ وجمعه فيه ، من علم وعمل ، وهدى وورع ، وحزم ، وسَداد ، وعقل ، ورأي ودهاء ، وذكاء ، وإمارة ، وحكومة ، ورئاسة ، وسياسة ، وبسالة ، وشهامة ، وسخاء ، وكرم ، وعدل ، وصلاح ، لم يشأ أنْ يخليه عن هذه الخاصّة المُرْبية بمقام العظماء.
فقال شيخنا الديلمي في إرشاده (٢) (٢ / ٣٢٥) : إنَّه كان رجلاً طوله ثمانية عشر شبراً في عرض خمسة أشبار ، وكان أشدَّ الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين.
وقال أبو الفرج (٣) : كان قيس رجلاً طُوالاً ، يركب الفرس المُشرف ورجلاه تخطّان في الأرض. ومرَّ (ص ٧٧) عن المنذر بن الجارود أنَّه رآه في الزاوية على فرس أشقر ، تخطُّ رجلاه في الأرض.
__________________
(١) الأوْق : الثقل.
(٢) إرشاد القلوب : ص ٣٨٠.
(٣) مقاتل الطالبيّين : ص ٧٩.