أمّا بعد : فإنَّ معصية الناصح الشفيق ، العالم المجرِّب ، تُورِثُ الحسرة ، وتُعقِبُ الندامة ، وقد كنت أَمَرتُكُم في هذه الحكومة أمري ، ونحلتُ لكم مخزون رأيي ، لو كان يُطاع لقصير أمر(١) ، فأبيتم عليَّ إباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العصاة ، حتى ارتاب الناصح بنصحه ، وضنَّ الزَّنْدُ بقدحه ، فكنت أنا وإيّاكم كما قال أخو هوازن(٢) :
أمرتكُمُ أمري بمنعرج اللِّوى |
|
فلم تستبينوا النصحَ إلاّ ضحى الغدِ |
ألا إن هذين الرجلين عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري اللذين اخترتموهما حَكَمين ، قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحيَيَا ما أمات القرآن ، وأماتا ما أحيا القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدىً من الله ، فَحَكَما بغير حجّة بيِّنة ، ولا سُنّةٍ ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يَرشُد(٣) ، فبرئ الله منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنين ، واستعِدّوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام».
الإمامة والسياسة(٤) (١ / ١١٩) ، تاريخ الطبري(٥) (٦ / ٤٥) ، مروج الذهب(٦) (٢ / ٣٥) ، نهج البلاغة(٧) (١ / ٤٤) ، كامل ابن الأثير(٨) (٣ / ١٤٦).
ذكر ابن كثير في تاريخه (٩) (٧ / ٢٨٦) هذه الخطبة ، ولمّا لم يعجبه ذكر أهل العبث
__________________
(١) قصير هو مولي جذيمة الأبرش وكان قد أشار على سيّده أن لا يأمن الزبّاء ملكة الجزيرة وقد دعته إليها ليتزوّجها فخالفه وقصد فقتلته فقال فصير لا يطاع لقصير أمر فذهب مثلا (مجمع الأمثال : ٣/١٩٨ رقم ٣٦٤٦). المؤلف
(٢) دريد بن الصمّة (المؤلف)
(٣) في الإمامة والسياسة: لم يرشد هما الله (المؤلف)
(٤) الإمامة والسياسة : ١/١٢٣.
(٥) تاريخ الأمم والملوك : ٥/٧٧ حوادث سنة ٣٧ هـ.
(٦) مروج الذهب : ٢/٤٢١.
(٧) نهج البلاغة : ص ٧٩ خطبة ٣٥.
(٨) الكامل في التاريخ : ٢/٤٠٠ حوادث سنة ٣٧ هـ.
(٩) البداية والنهاية : ٧/٣١٧ حوادث سنة ٣٧ هـ.