للقيان ، كثيرٌ مزاحه ، شديدٌ طماحه ، صدودٌ عن الشبان (١) ، ظاهر الطيش ، رخيّ العيش ، أخّاذٌ بالسلف ، منفاق بالسرف.
فقال ابن عبّاس : كذبت والله أنت ، وليس كما ذكرت ، ولكنّه : لله ذَكورٌ ، ولنعمائه شكورٌ ، وعن الخنا زجورٌ ، جوادٌ كريمٌ ، سيِّدٌ حليمٌ ، إذا رمى أصاب ، وإذا سُئل أجاب ، غير حَصِرٍ ولا هيّاب ، ولا عيّابة مغتاب ، حلَّ من قريش في كريم النصاب ، كالهِزَبْر الضرغام ، الجريء المقدام ، في الحسب القَمقام ، ليس بدعيٍّ ولا دنيء ، لا كمن اختصم فيه من قريش شرارُها ، فغلبَ عليه جزّارُها ، فأصبح ألأمَها حسباً ، وأدناها منصباً ، ينوء منها بالذليل ، ويأوي منها إلى القليل ، مُذَبذَبٌ بين الحيَّين ، كالساقط بين المهدين ، لا المضطرُّ فيهم عرفوه ، ولا الظاعن عنهم فقدوه ، فليت شعري بأيِّ قَدْرٍ تتعرّض للرجال؟ وبأيِّ حسَب تَعْتَدُّ به تبارز عند النضال؟ أبنفسِك؟ وأنت الوغد اللئيم ، والنكِدُ الذميم ، والوضيعُ الزنيم ، أم بمن تُنمى إليهم؟ وهم أهلُ السفه والطيش ، والدناءة في قريش ، لا بشرفٍ في الجاهليّة شُهروا ، ولا بقديمٍ في الإسلام ذُكروا ، جعلتَ تتكلّمُ بغيرِ لسانِكَ ، وتنطِقُ بالزورِ في غير أقرانِك ، والله لَكانَ أبينَ للفضلِ ، وأبعدَ للعدوانِ أن ينزلَكَ معاويةُ منزلةَ البعيدِ السحيقِ ، فإنّه طالما سلسَ داؤك ، وطمحَ بك رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضرَّ فيها رعيُك ، ولم يورِق فيها غصنُكَ.
فقال عبد الله بن جعفر : أقسمتُ عليك لمّا أمسكت ، فإنّك عنّي ناضلتَ ، ولي فاوضت. فقال ابن عبّاس : دعني والعبدَ ، فإنّه قد يهدرُ خالياً إذ لا يجدُ مرامياً ، وقد أُتيح له ضيغمٌ شرس ، للأقرانِ مفترس ، وللأرواح مختلس. فقال عمرو بن العاص : دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه ، فو الله ما تركَ شيئاً. قال ابن عبّاس : دعه فلا يبقي المبقي إلاّ على نفسه ، فو الله إنَّ قلبي لشديد ، وإنَّ جوابي لعتيد ، وبالله الثقة ، وإنِّي لَكَما
__________________
(١) كذا في المحاسن والأضداد ، وفي المحاسن والمساوئ : السِّنان.