بيت لعنة» أفتراه بعد هذا نائلاً فلاحاً؟ أو مدركاً رباحاً؟ وايم الله إنَّ امرءاً لم يُعرف إلاّ بسهم أُجيل عليه فجال ، لحقيقٌ أن يكون كليل اللسان ، ضعيف الجنان ، مستشعراً للاستكانة ، مقارناً للذلِّ والمهانة ، غير ولوج فيما بين الرجال ، ولا ناظر في تسطير المقال ، إن قالت الرجال أصغى ، وإن قامت الكرام أقعى (١) ، متعيّصٌ لدينه لعظيم دينه (٢) ، غير ناظر في أُبّهة الكرام ولا منازع لهم ، ثمّ لم يزل في دجّة ظلماء مع قلّة حياء ، يعامل الناس بالمكر والخداع ، والمكر والخداع في النار.
فقال عمرو : يا أخا بني الدؤل ، والله إنَّك لأنت الذليل القليل ، ولولا ما تمتُّ به من حسب كنانة ، لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الحديّة (٣) ، غير أنَّك بهم تطول ، وبهم تصول ، فلقد استطبت مع هذا لساناً قوّالاً ، سيصير عليك وبالاً ، وايم الله إنّك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديماً وحديثاً ، وما كنت قطُّ بأشدّ عداوةً له منك الساعة ، وإنّك لتوالي عدوّه ، وتعادي وليّه ، وتبغيه الغوائل ، ولئن أطاعني ليقطعنّ عنه لسانك ، وليخرجنَّ من رأسك شيطانك ، فأنت العدوُّ المطرق له إطراق الأُفعوان (٤) في أصل الشجرة.
فتكلّم معاوية فقال : يا أبا الأسود أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك. وقال لعمرو : فلم تغرق كما أغرقت ، ولم تبلغ ما بلغت ، غير أنَّه كان منه الابتداء والاعتداء ، والباغي أظلم ، والثالث أحلم ، فانصرِفا عن هذا القول إلى غيره ، وقوما غير مطرودين ، فقام عمرو وهو يقول :
لعمري لقد أعيا القرون التي مضت |
|
لغشٍّ ثوى بين الفؤاد كمينِ |
__________________
(١) أقعى الكلب : جلس على استه. (المؤلف)
(٢) كذا في المصدر ، وفي مختصر تاريخ دمشق : مبصبِص بذَنَبه لعظيم ذنبه.
(٣) الأجدل : الصقر. والحدأة ـ بكسر الحاء ـ : طائر من الجوارح. والعامّة تسمّيه الحديّة. (المؤلف)
(٤) الأُفعوان ـ بضمّ الأوّل ـ : ذكر الأفعى. (المؤلف)