ذلك يذهب جانباً. فقال عمرو : أنا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفّين ، وقد عرفت رأيي ، ولست أرى خلافي وما آلوك خيراً ، فأرسل إليه ، ولا تفرش مهاد العجز فتتّخذه وطيئاً.
فأرسل معاوية إلى أبي الأسود ، فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثاً ، فرحّب به معاوية وقال : يا أبا الأسود خلوتُ أنا وعمرو فتناجزنا (١) في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين. قال : سل يا أمير المؤمنين عمّا بدا لك.
فقال : يا أبا الأسود أيّهم كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : أشدّهم حبّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقاهم له بنفسه.
فنظر معاوية إلى عمرو وحرّك رأسه ، ثمّ تمادى في مسألته ، فقال : يا أبا الأسود فأيّهم كان أفضلهم عندك؟ قال : أتقاهم لربِّه وأشدُّهم خوفاً لدينه.
فاغتاظ معاوية على عمرو ، ثمّ قال : يا أبا الأسود فأيّهم كان أعلم؟ قال : أقولهم للصواب وأفصلهم للخطاب. قال : يا أبا الأسود فأيّهم كان أشجع؟ قال : أعظمهم بلاءً ، وأحسنهم عناءً وأصبرهم على اللقاء. قال : فأيّهم كان أوثق عنده؟ قال : من أوصى إليه فيما بعده. قال : فأيّهم كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم صديقاً؟ قال : أوّلهم به تصديقاً.
فأقبل معاوية على عمرو ، وقال : لا جزاك الله خيراً ، هل تستطيع أن تردَّ ممّا قال شيئاً؟
فقال أبو الأسود : إنّي قد عرفت من أين أُتيت ، فهل تأذن لي فيه؟. فقال : نعم ؛ فقل ما بدا لك. فقال : يا أمير المؤمنين إنَّ هذا الذي ترى هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيات من الشعر ، فقال رسول صلى الله عليه وسلم : «اللهمّ إنّي لا أحسن أن أقول الشعر ، فالعن عمراً بكلِ
__________________
(١) ناجزه : خاصمه. والمناجزة في الحرب : المبارزة. (المؤلف)