ففعل ، فقالت : ما أُنكر منك شيئاً إلاّ يَبَساً في كتفيك ، فاخرج على اسم الله تعالى. وأخرجت معه جاريتين لها.
فخرج وعلى باب السجن أبو الوضّاح حبيب بن بُدير ومعه فتيان من أسد فلم يُؤبه له ، ومشى الفتيان بين يديه إلى سكّة شبيب بناحية الكناس ، فمرَّ بمجلس من مجالس بني تميم ، فقال بعضهم : رجل ورب الكعبة ، وأمر غلامه فأتبعه ، فصاح به أبو الوضّاح يا كذا وكذا أراك تتبع هذه المرأة منذ اليوم ، وأومأ إليه بنعله فولّى العبد مدبراً ، وأدخله أبو الوضّاح منزله.
ولمّا طال على السجّان الأمر نادى الكميت فلم يجبه ، فدخل ليعرف خبره ، فصاحت به المرأة : وراءك ، لا أمَّ لك. فشقَّ ثوبه ومضى صارخاً إلى باب خالد ، فأخبر الخبر ، فأحضر المرأة ، فقال لها : يا عدوَّة الله احْتَلْت على أمير المؤمنين وأخرجتِ عدوَّ أمير المؤمنين ، لأُنَكِلَنَّ بك ، ولأصنعنَّ ، ولأفعلنَّ. فاجتمعت بنو أسد عليه ، وقالوا له : ما سبيلك على امرأة منّا خُدعت. فخافهم ، فخلّى سبيلها.
وسقط غراب على الحائط ونعب ، فقال الكميت لأبي الوضّاح : إنّي لمأخوذ ، وإنَّ حائطك لساقطٌ. فقال : سبحان الله! هذا ما لا يكون إن شاء الله تعالى ، وكان الكميت خبيراً بالزجر ـ الكهانة ـ فقال له : لا بدَّ أن تحوِّلني. فخرج به إلى بني علقمة ـ وكانوا يتشيّعون ـ فأقام فيهم ، ولم يصبح حتى سقط الحائط الذي سقط عليه الغراب.
قال المستهلّ : وأقام الكميت مدّةً متوارياً ، حتى إذا أيقن أنَّ الطلب خفَّ عنه ، خرج ليلاً في جماعة من بني أسد وبني تميم ، وأرسل إلى أشراف قريش ، وكان سيِّدهم يومئذ عنبسة بن سعيد بن العاص ، فمشت رجالات قريش بعضها إلى بعض وأتوا عنبسة فقالوا : يا أبا خالد هذه مكرمة أتاك بها الله تعالى ، هذا الكميت بن زيد لسان مضر ، وكان أمير المؤمنين قد كتب في قتله ، فنجا حتى تخلّص إليك وإلينا. قال :