أين التطرُّب بالولاء وبالهوى |
|
أإلى الكواذب من بروق الخلَّبِ |
أإلى أميّة أم إلى شِيَع التي |
|
جاءت على الجملِ الخِدَبِّ الشوقَبِ |
حتى أتى على آخرها ، فقال لي مروان : ما سمعت قطُّ شعراً أكثر معاني وألخص منه وعدّد ما فيه من الفصاحة. وكان يقول لكلِّ بيت منها : سبحان الله ، ما أعجب هذا الكلام. وروى عن التوَّزي أنَّه قال : لو أنَّ شعراً يستحقُّ أن لا يُنشَد إلاّ في المساجد لحسنه لكان هذا ، ولو خطب به خاطبٌ على المنبر في يوم الجمعة لأتى حَسَناً ولحاز أجراً.
وقال أبو الفرج (١) : كان شاعراً متقدّماً مطبوعاً ، وله طرازٌ من الشعر ومذهبٌ قلَّما يُلحقُ فيه أو يُقارَبُه. وروى عن لَبطة بن الفرزدق قال : تذاكرنا الشعراء عند أبي فقال : إنَّ هاهنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنّا معهما في شيء. فسألناه من هما؟ فقال : السيِّد الحميري وعمران بن حطّان السدوسي ، ولكنَّ الله قد شغل كلَّ واحد منهما بالقول في مذهبه (٢). الأغاني (٣) (٧ / ٢٣١)
وعن التوَّزي : قال : رأى الأصمعي جزءً فيه من شعر السيِّد ، فقال : لمن هذا؟ فسترته عنه لعلمي بما عنده فيه ، فأقسم عليَّ أن أخبره فأخبرته ، فقال : أَنشدني قصيدةً منه ، فأنشدته قصيدةً ثمَّ أخرى وهو يستزيدني ، ثمَّ قال : قبّحه الله ما أسلكه لطريق الفحول لو لا مذهبه! ولولا ما في شعره ما قدّمت عليه أحداً من طبقته. وفي لفظه الآخر : لما تقدّمه من طبقته أحدٌ. وعن أبي عبيدة أنَّه قال : أشعر الُمحدَثينَ السيِّد
__________________
(١) الأغاني : ٧ / ٢٤٩ ـ ٢٥٢.
(٢) كذا في الأغاني وهو بعيد ؛ لأنّ الفرزدق توفي سنة (١١٠ ه) ، في حين أنَّ ولادة السيِّد الحميري كانت في سنة (١٠٥ ه) ، أي أنَّ عمره يومذاك كان خمس سنوات فقط!. ومن المستبعد أن يقول الإنسان الشعر المحكم في هذه السنّ المبكّرة ، فضلاً عن أن يكون له رأي وعقيدة ويزاحم فحول الشعراء.
(٣) الأغاني : ٧ / ٢٤٩ ، ٢٥١.