لزرافات المسلمين من أدنى البلاد وأقاصيها من كلِّ فجّ عميق ، وليس لهم مجتمع يضاهيه في الكثرة ، دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ الغاية من ذلك إسماع الملأ الدينيِّ مآثر الفقيد ـ فقيد بيت الوحي ـ ومزاياه ، حتى تنعطف عليه القلوب ، وتحنُّ إليه الأفئدة ، ويكونوا على أَمَم من أمره ، وبمقربة من اعتناق مذهبه ، فيحدوهم ذلك ، بتكرار الندبة في كلِّ سنة ، إلى الالتحاق به ، والبخوع لحقِّه ، والقول بإمامته ، والتحلّي بمكارم أخلاقه ، والأخذ بتعاليمه المُنجية ، وعلى هذا الأساس الدينيِّ القويم ، أُسِّست المآتم والمواكب الحسينيّة ، ليس إلاّ.
ونظراً إلى المغازي الكريمة المتوخّاة من الشعر ، كان شعراء أهل البيت ممقوتين ثقيلين جدّا على مناوئيهم ، وكانت العداوة عليهم محتدمة ، والشحناء لهم مُتَشزِّنة (١) ، وكان حامل ألوية هذه الناحية من الشعر لم يزل خائفاً يترقّب ، آيساً من حياته ، مستميتاً مستقتلاً ، لا يقرُّ له قرار ، ولا يُؤويه منزل وكان طيلة حياته يكابد المشاقّ ، ويقاسي الشدائد : من شنقٍ ، وقتلٍ ، وحرقٍ ، وقطع لسان ، وحبس ، وعذاب ، وتنكيل ، وضرب ، وهتك حرمةٍ ، وإقصاءٍ من الأهل والوطن ، إلى شدائد أخرى سجّلها لهم التاريخ في صحائفه.
__________________
(١) متشزّنة : نشطة.