فذبحناه وشويناه. فخرج دعبل وسأل عن الديك فعرَف أنّه سقط في دار صالح ، فطلبه منّا فجحدناه ، وشربنا يومنا. فلمّا كان من الغد خرج دعبل فصلّى الغداة ، ثمّ جلس على المسجد ، وكان ذلك المسجد مجمع الناس ، يجتمع فيه جماعةٌ من العلماء وينتابهم الناس ، فجلس دعبل على المسجد وقال :
أسَرَ المؤذِّنَ صالحٌ وضيوفُهُ |
|
أسْرَ الكميِّ هفا خلال الماقطِ (١) |
بعثوا عليه بَنيهمُ وبناتِهمْ |
|
من بين ناتفةٍ وآخرَ سامطِ |
يتنازعون كأنّهم قد أوثقوا |
|
خاقان أو هزموا كتائب ناعطِ (٢) |
نَهشوهُ فانتُزِعتْ لهُ أسنانهُمْ |
|
وتهشّمتْ أقفاؤهمْ بالحائطِ |
فكتبها الناس عنه ومضوا. فقال لي أبي وقد رجع إلى البيت : ويحكم ، ضاقت عليكم المآكل ، فلم تجدوا شيئاً تأكلونه سوى ديك دعبل؟ ثمّ أنشدنا الشعر ، وقال لي : لا تَدَعْ ديكاً ولا دجاجةً تقدر عليه إلاّ اشتريتَه ، وبعثتَ به إلى دعبل ، وإلاّ وقعنا في لسانه ؛ ففعلتُ ذلك (٣).
٢ ـ عن إسحاق النخعي قال : كنت جالساً مع دعبل بالبصرة وعلى رأسه غلامه ثقيف ، فمرَّ به أعرابيٌّ يرفل في ثيابِ خَزّ ، فقال لغلامه : أُدع لي هذا الأعرابي ، فأومأ الغلام إليه ، فجاء ، فقال له دعبل : ممّن الرجل؟ قال : من بني كلاب ، قال : من أيِّ ولد كلاب أنت؟ قال : من ولد أبي بكر ، فقال دعبل : أتعرف القائل؟ :
ونُبِّئْتُ كلباً من كلابٍ يَسبُّني |
|
ومحضُ كلابٍ يقطعُ الصلواتِ |
فإنْ أنا لم أُعلمْ كِلاباً بأنَّها |
|
كلابٌ وأنّي باسلُ النقِماتِ |
__________________
(١) الماقط : المضيق في الحرب.
(٢) ناعط : قبيلة من هَمْدان. وأصله جبل نزلوا به فنُسِبوا إليه. (المؤلف)
(٣) الأغاني : ٢٠ / ١٤١.