هذه الآفة من جذورها ، وهي العادة التي كانت قد تأصلت في نفوسهم ، وعروقهم ، ففي أوّل الأمر وردت إشارات في الآيات المكية تستقبح شرب الخمر ، كما في الآية (٦٧) من سورة النحل : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً).
فهنا «سكر» وتعني الشراب المسكر الذي كانوا يستخرجونه من التمر والعنب ، قد وضع في قبال الرزق الحسن ، فاعتبره شرابا غير طيب بخلاف الرزق الحسن ، إلّا أنّ تلك العادة الخبيثة ـ عادة معاقرة الخمرة ـ كانت أعمق من أن تستأصل بهذه الإشارات ، ثمّ أنّ الخمر كانت تؤلف جانبا من دخلهم الاقتصادي لذلك ، عند ما هاجر المسلمون إلى المدينة وأسسوا أولى الحكومات الإسلامية ، نزلت آية ثانية أشد في تحريم الخمر من الاولى ، لكي تهيئ الأذهان أكثر إلى التحريم النهائي ، تلك هي الآية (٢١٩) من سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما).
فها هنا إشارة إلى منافع الخمر الاقتصادية لبعض المجتمعات ، كالمجتمع الجاهلي ، مصحوبة بإشارة إلى أخطارها الكبيرة ومضارها التي تفوق كثيرا منافعها الاقتصادية.
ثمّ في الآية (٤٣) من سورة النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) يأمر الله المسلمين أمرا صريحا بأن لا يقيموا الصّلاة وهم سكارى حتى أدركوا ما يقولونه أمام الله.
واضح أنّ هذا لم يكن يعني أنّ شرب الخمر في غير الصّلاة جايز ، بل هي مسألة التدرج في تحريم الخمر مرحلة مرحلة ، أي أنّ هذه الآية كأنّها تلتزم الصمت ولا تقول شيئا صراحة في غير مواقع الصّلاة.
إنّ تقدم المسلمين في التعرف على أحكام الإسلام واستعدادهم الفكري لاستئصال هذه المفسدة الاجتماعية الكبيرة التي كانت متعمقة في نفوسهم ، أصبحا