جنس البشر ، من جنس الملائكة؟ أيمكن لإنسان من جنسنا أنّ يحمل بمفرده هذه الرسالة على عاتقه؟ (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ).
ولا مجال لهذا التحجج على نبوة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع كل هذه الدلائل الواضحة والآيات البيّنات ، ثمّ إنّ الملك ليس أقدر من الإنسان ولا يملك قابلية لحمل رسالة أكثر من قابلية الإنسان بل انّ قابلية الإنسان أكثر بكثير.
يرد القرآن عليهم بجملتين في كل منهما برهان :
الاولى : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ).
أي لو نزل ملك لمعاونة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لهلك الكافرون ، وسبب ذلك ما مرّ في آيات سابقة ، وهو أنّه إذا اتخذت النبوة جانب الشهود والحس ، أي إذا تحول الغيب بنزول الملك إلى شهود ، بحيث يرى كل شيء عيانا ، غدت المرحلة هي المرحلة النهائية في إتمام الحجة ، إذ لا يكون ثمّة دليل أوضح منها ، وعلى ذلك فإن العصيان في هذه الحالة يستوجب العقاب القاطع ، ولكن الله للطفه ورحمته بعباده ، ولكي يمنحهم فرصة التأمل والتفكير ، لا يفعل ذلك إلّا في حالات خاصّة يكون فيها طالب الدليل على أتمّ استعداد ، أو في حالات يستحق فيها طالب الدليل الهلاك ، أي أنّه ارتكب ما يستوجب معه العقاب الإلهي ، في هذه الحالة يحقق له طلبه ، ثمّ إذا لم يستسلم صدر أمر هلاكه.
الثّانية : هي أنّ الرّسول الذي يبعثه الله لقيادة الناس وتربيتهم وليكون أسوة لهم ، لا بدّ أن يكون من جنس الناس أنفسهم وعلى شاكلتهم من حيث الصفات والغرائز البشرية ، أمّا الملك فلا يظهر لعيون البشر كما أنّه ليس بإمكانه أنّ يكون قدوة عملية لهم ، لأنّه لا يدري شيئا عن حاجاتهم وآلامهم ولا عن غرائزهم ومتطلباتها ، لذلك فإن قيادته لجنس يختلف عنه كل الاختلاف لا يحقق الهدف.
لذلك فالقرآن في الجواب الثّاني يقول : لو شئنا أن يكون رسولنا ملكا حسبما يريدون ، لوجب أن يتصف هذا الملك بصفات الإنسان وأن يظهر في هيئة إنسان :