(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (١).
يتّضح ممّا قلنا أنّ جملة (لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) لا تعني : أنّنا سنجعله على هيئة انسان ، كما تصور بعض المفسّرين ، بل تعني : أنّنا نجعله على هيئة البشر في الصفات الظاهرية والباطنية ، ثمّ يستنتج من ذلك أنّهم ـ في هذه الحالة أيضا ـ كانوا سيعترضون الاعتراض نفسه ، وهو : لماذا أوكل الله مهمّة القيادة إلى بشر وأخفى عنّا وجه الحقيقة : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ).
«اللبس» بمعنى خلط الأمر وجعله مشتبها بغيره خافيا ، و «اللبس» بمعنى ارتداء اللباس ، ومن الواضح أنّ الآية تقصد المعنى الأوّل ، أي أنّنا لو أردنا أن نرسل ملكا لوجب أن يكون في صورة الإنسان وسلوكه ، وفي هذه الحالة سيعتقدون أنّنا خلطنا الأمر على الناس وأوقعناهم في الاشتباه ، ولكانوا يشكلون علينا الإشكالات السابقة ، بمثل ما يوقعون الجهلة من الناس في الخطأ والاشتباه ويلبسون وجه الحقيقة عنهم ، وعليه فإنّ نسبة «اللبس» والإخفاء إلى الله إنّما هي من وجهة نظرهم الخاصة.
وفي الختام يهون الأمر على رسوله ويقولون له : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
هذه الآية في الواقع تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يطلب الله فيها منه أن لا تزعزعه الزعازع ، ويهدد في الوقت نفسه المخالفين والمعاندين ويطلب منهم أن يتفكروا في عاقبة أمرهم المؤلمة(٢).
* * *
__________________
(١) الضمير «جعلناه» يمكن أن يعود على الرّسول ، أو على من يرسل معه لإعانته على تثبيت النبوة وعلى الاحتمال الثّاني يكون اقتراحهم قد تحقق ، وعلى الأوّل قد تحقق أكثر ممّا طلبوه.
(٢) «حاق» بمعنى أحاط به وحل به ، و «ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» أي ما كانوا يستهزئون به من تهديد وإنذار يسمعونه من أنبياء الله مثل إنذار نوح وقومه بوقوع الطوفان ، فكان قومه من عبدة الأصنام يسخرون من ذلك. وعليه فلا ضرورة لتقدير كلمة «جزاء» كما يقول بعضهم ، إذ يكون المعنى : العقوبات التي كانوا يستهزئون بها حلت بهم.