على الاحتمال الأوّل قد تكون الآية إشارة إلى الذين كانوا يعبدون الملائكة أو مخلوقات غير مرئية.
وعلى الاحتمال الثّاني قد تكون الإشارة إلى الذين كانوا يعتبرون الجن شركاء لله أو زوجات له.
يقول الكلبي في كتاب «الأصنام» : إنّ إحدى الطوائف العربية ، وتدعي «بنو مليح» وهي إحدى أفخاذ قبيلة «خزاعة» كانت تعبد الجن (١) ، كما يقال إنّ عبادة الجن والاعتقاد بالوهيتها كانت منتشرة بين مذاهب اليونان الخرافية وفي الهند (٢).
ويستدل من الآية (١٥٨) من سورة الصافات : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) على أنّه كان بين العرب من يرى بين الله والجن نسبا وقرابة ، ويذكر بعض المفسّرين أنّ قريشا كانت تعتقد أنّ الله قد تزوج الجن ، فكان الملائكة ثمرة ذلك الزواج (٣).
فينكر الإسلام عليهم ذلك ، إذ كيف يمكن ذلك وهو الذي خلق الجن : (وَخَلَقَهُمْ) أي كيف يمكن أن يكون المخلوق شريكا للخالق ، لأنّ الشركة دليل التماثل والتساوي ، مع أنّ المخلوق لا يمكن أن يكون في مصاف خالقه أبدا!
الخرافة الأخرى هي قولهم جهلا ـ إنّ لله بنين وبنات : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
أفضل دليل على أنّ هذه العقائد ليست سوى خرافة ، هو أنّها تصدر عنهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي أنّهم لا يملكون أي دليل على هذه الأوهام.
من الملاحظ أنّ القرآن استعمل لفظة «خرقوا» من الخرق ، وهو تمزيق الشيء بغير روية ولا حساب ، وهي في النقطة المقابلة تماما «للخلق» القائم على
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٣ ، ص ٣٢٦ ـ الهامش.
(٢) تفسير المنار ، ج ٨ ، ص ٦٤٨.
(٣) تفسير معجم البيان وتفاسير أخرى.