من جانب المشركين ، وما يزال المعارضون المعاندون يتابعونهم في ذلك ، مع أنّ حياة الجزيرة العربية لم تكن فيها مدرسة ولا درس ليتعلم منها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا ، كما أنّ رحلاته إلى خارج الجزيرة كانت قصيرة لا تدع مجالا لمثل هذا الاحتمال ، ثمّ إنّ معلومات اليهود والمسيحيين الذين كانوا يسكنون الحجاز كانت على درجة من التفاهة وتسطير الخرافات بحيث لا يمكن ـ أصلا ـ مقارنتها بما في القرآن ولا بتعاليم الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسنشرح هذا الموضوع ـ إن شاء الله ـ عند تفسير الآية (١٠٣) من سورة النحل.
ثمّ تبيّن الآية واجب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قبال معاندة المعارضين وحقدهم واتهاماتهم ، فتقول : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ومن واجبك أيضا الإعراض عما يوجهه إليك المشركون من افتراءات : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
هذا ـ في الواقع ـ ضرب من التسلية والتقوية المعنوية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لكيلا ينتاب عزمه الراسخ الصلب أي ضعف في مواجهة أمثال هؤلاء المعارضين.
يتبيّن ممّا قلناه بجلاء أنّ عبارة (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) لا تتعارض مطلقا مع الأمر بدعوتهم إلى الإسلام ولا مع الجهاد ضدهم ، فالمقصود هو أن لا يلقى اهتماما إلى أقوالهم الباطلة واتهاماتهم الكاذبة ، بل يمضي في طريقه بثبات.
الآية الأخيرة يكرر القرآن فيما ـ مرّة أخرى ـ القول بأنّ الله لا يريد أن يكره المشركين ويجبرهم على الإسلام ، إذ لو أراد ذلك لما كان هناك أي مشرك : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) كما يؤكّد القول لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّك لست مسئولا عن أعمال هؤلاء ، لأنّك لم تبعث لإكراههم على الإيمان : (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ، ولا من واجبك حملهم على عمل الخير : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
«الحفيظ» هو من يراقب أمرا أو شخصا ليحفظه من أن يصاب بضرر ، أمّا «الوكيل» فهو من يسعى لإحراز النفع لموكله.