فقال له : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكن إنّ لم يصدقوا عذبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بل يتوب تائبهم» فأنزل الله تعالى الآيتين.
التّفسير
وردت في الآيات السابقة أدلة كثيرة كافية على التوحيد ، وردّ الشرك وعبادة الأصنام ، ومع ذلك فإنّ فريقا من المشركين المعاندين المتعصبين لم يرضخوا للحق ، وراحوا يعترضون وينتقدون ، من ذلك أنّهم أخذوا يطلبون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم القيام بخوارق عجيبة وغريبة يستحيل بعضها أساسا (مثل طلب رؤية الله) ، زاعمين كذبا أنّ هدفهم من رؤية تلك المعجزات هو الإيمان ، في الآية الأولى ، يقول القرآن : (أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) (١).
وفي الردّ عليهم يشير القرآن إلى حقيقتين : يأمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّلا أن يقول لهم : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ، أي أن تحقيق المعجزة لا يكون وفق مشتهياتهم ، بل إنّها بيد الله وبأمره.
ثمّ يخاطب المسلمين البسطاء الذين تأثروا بإيمان المشركين فيقول لهم : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) مؤكدا بذلك أنّ هؤلاء المشركين كاذبون في قسمهم.
كما أنّ مختلف المشاهد التي جرت بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تؤكّد حقيقة
__________________
(١) «الجهد» بمعنى السعي وبذل الطاقة ، والمقصود هنا الجهد في توكيد القسم.
(٢) المفسّرون غير متفقين على «ما» ، أهي استفهامية أم نافية؟ وكذلك فيما يتعلق بتركيب الجملة ، بعضهم يقول إنّ «ما» استفهامية استنكارية ، ولو كانت كذلك لكان معنى الآية : أنّى لكم أن تعلموا إنّهم لا يؤمنون إن رأوا معجزة ، أي إنّه قد يؤمنون ، وهذا خلاف ما تريده الآية ، لذلك اعتبر بعضهم «ما» نافية ، وهو الأقرب إلى الذهن ، فيكون معنى الآية : أنتم لا تعلمون إنّهم حتى إذا تحققت لهم المعجزات لا يؤمنون ، وعلى ذلك يكون فاعل «يشعر» مقدر بمعنى «شيء» وللفعل «يشعر» مفعولان «كم» و (أَنَّها) ... (تأمل بدقّة).