أنّهم لم يكونوا يبحثون عن الحق ، بل كان هدفهم من كل ذلك أن يشغلوا الناس ويبذروا في نفوسهم الشك والتردد.
الآية التّالية تبيّن سبب عنادهم وتعصبهم ، فتقول : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي أنّهم بإصرارهم على الانحراف والسير في طريق ملتو وتعصبهم الناشئ عن الجهل ورفض التسليم للحق ، أضاعوا قدرتهم على الرؤية الصحيحة والإدراك السليم ، فراحوا يعيشون في متاهات الضلال والحيرة.
هنا أيضا نسب هذا الفعل إلى الله كما سبق من قبل ، وهو في الواقع نتيجة أعمالهم وسوء فعالهم ، وما نسبة ذلك إلى الله إلّا لأنّه علّة العلل ومبدأ عالم الوجود ، وكل خصيصة في أي شيء إنّما هي بإرادته ، وبعبارة أخرى : إنّ الله جعل من النتائج الحتمية للعناد والتعصب الأعمى والانحراف أن يكون لها مثل هذا الأثر ، وهو انحراف الإنسان شيئا فشيئا في هذا الطريق ، فلا يعود يدرك الأمور إدراكا سليما.
ثمّ تشير الآية في الخاتمة إلى أنّ الله ، يترك أمثال هؤلاء في حالتهم تلك لكي يشتد ضلالهم وتزداد حريتهم : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١).
نسأل الله أن يجنبنا الابتلاء بمثل هذا الضلال والحيرة الناتجة عن أعمالنا السيئة ، وأن يمنحنا النظرة السليمة الكاملة لكي نرى الحقيقة ناصعة لا غبش عليها.
* * *
__________________
(١) «يعمهون» من «عمه» بمعنى الحيرة والشك.