يسألون النّبي اسئلة في هذا المجال ، ولكن ظاهر الآية مطلق ، فلا مرجّح لانّ يكون المراد بالسائلين هم اليهود دون غيرهم.
وايّ درس أعظم من ان يجتمع عدّة افراد لإهلاك فرد ضعيف ووحيد ـ في الظاهر ـ وبخطط اعدّها الحسد ، ويبذلون أقصى جهودهم لهذا الأمر ، ولكن نفس هذا العمل ـ ودون شعور وارادة منهم ـ بات سببا في تربّعه على سرير الملك وصيرورته آمرا على البلد الكبير «مصر» ثمّ يأتي اخوته في النهاية ليطأطئوا برؤوسهم إعظاما له ، وهذا يدلّ على ان الله إذا أراد امرا فهو قادر على ان يجريه حتى على ايدي من يخالفون ذلك الأمر ، ليتجلّى ان الإنسان المؤمن الطاهر ليس وحيدا في هذا العالم ، فلو سعى جميع افراد هذا العالم الى إزهاق روحه والله لا يريد ذلك ، فإنهم لا يستطيعون ان يسلبوا منه شعرة واحدة.
كان ليعقوب اثنا عشر ولدا ، واثنان منهم : يوسف وبنيامين وهما من ام واحدة اسمها راحيل ، وكان يعقوب يولي هذين الولدين محبّة خاصّة ، لا سيما يوسف.
لانّهما اوّلا : أصغر أولاده ، وبالطبع فهما يحتاجان الى العناية والرعاية والمحبة.
وثانيا : لانّ امّهما ارتحلت من الدنيا ـ طبقا لبعض الرّوايات ـ وبعد هذا كلّه كانت بوادر النبوغ والذكاء والحادّ ترتسم على يوسف ، وهذه الأمور ادّت الى ان أن يولي يعقوب ابنه هذا عناية اكثر.
الّا ان الاخوة الحساد ـ دون ان يلتفتوا الى هذه الجهات ـ تألّموا من حبّ أبيهم ليوسف وأخيه ، وخاصّة بعد اختلافهم في الام والمنافسة الطبيعية المترتبة على هذا الأمر. لهذا اجتمعوا فيما بينهم وتدارسوا الأمر وصمموا على المؤامرة (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) (١).
__________________
(١) «العصبة» معناها الجماعة المتفقون على الأمر ، وهذه الكلمة معناها الجمع الّا لا مفرد لها من جنسها.