وحكموا على أبيهم من جانب واحد بقولهم : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
ان نار الحسد والحقد لم تدعهم ليفكروا في جميع جوانب الأمر ليكتشفوا دلائل علاقة الحبّ التي تربط يعقوب بولديه يوسف وبنيامين ، لانّ المنافع الخاصّة لكل فرد تجعل بينه وبين عقله حجابا فيقضي من جانب واحد لتكون النتيجة «الضلال عن جادة الحق والعدل» وبالطبع فإنّ اتهامهم لأبيهم بالضلالة ، لم يكن المقصود منها الضلالة الدينية ، لانّ الآيات الآتية تكشف عن اعتقادهم بنبوّة أبيهم ، وانما استنكروا طريقة معاشرته فحسب.
ثمّ ادّى بهم الحسد الى ان يخططوا لهذا الأمر ، فاجتمعوا وقدموا مقترحين وقالوا : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) ـ أرسلوه الى منطقة بعيدة ـ (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).
ومن الحق ان تشعروا بالذنب والخجل في وجدانكم لانّكم تقدمون على هذه الجناية في حق أخيكم الصغير ، ولكن يمكن أن تتوبوا وتغسلوا الذنب (تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ).
وهناك احتمال آخر لتفسير هذه الآية هو انّكم إذا أبعدتم أخاكم عن عيني أبيكم يصلح ما بينكم وبين أبيكم وتذهب اتعابكم ويزول اذاكم من هذا الموضوع ، ولكن التّفسير الاوّل اقرب للنظر!
وعلى كل حال فإنّ هذه الجملة تدلّ على احساسهم بالذنب من هذا العمل ، وكانوا يخافون الله في اعماق قلوبهم ، ولذلك قالوا : نتوب ونكون من بعده قوما صالحين.
ولكن المسألة المهمة هنا هي انّ الحديث عن التوبة قبل الجريمة ـ في الواقع ـ هو لأجل خداع «الوجدان» واغرائه وفتح الباب للدخول الى الذنب ، فلا يعدّ دليلا على الندم ابدا.
وبتعبير آخر : انّ التوبة الواقعية هي التي توجد بعد الذنب حالة من الندم