والخجل للإنسان ، وامّا الكلام في التوبة قبل الذنب فليس توبة.
وتوضيح ذلك انّه كثيرا ما يقع أن الإنسان حين يواجه الضمير و «الوجدان» عند الاقدام على الذنب ، او حين يكون الاعتقاد الديني سدّا وحاجزا امامه يمنعه عن الذنب وهو مصمم عليه ، فمن اجل ان يجتاز حاجز الوجدان او الشرع بيسر ، يقوم الشخص بخداع نفسه وضميره يأتي سوف اقف مكتوف اليدين بعد الذنب ، بل سأتوب وامضي الى بيت الله وأؤدي الأعمال الصالحة ، وسأغسل جميع آثار الذنوب.
اي انّه في الوقت الذي يرسم الخطة الشيطانية للاقدام على الذنب ، يرسم خطة شيطانية اخرى لمخادعة الضمير والوجدان ... وللاعتداء على عقيدته! فإلى ايّ درجة تبلغ هذه الخطة من السوء بحيث تمكّن الإنسان من تحقيق الجناية والذنب وكسر الحاجز الديني الذي يقف امامه!! انّ اخوة يوسف دخلوا من هذا الطريق ايضا.
المسألة الدقيقة الاخرى في هذه الآية : انّهم قالوا : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) ولم يقولون : يخل لكم قلب أبيكم ، وذلك لانّهم لم يطمئنّوا الى انّ أباهم ينسى يوسف بهذه السرعة ... فيكفي ان يتوجه إليهم أبوهم ، ولو ظاهرا!
وهناك احتمال آخر لهذا التعبير ، وهو أنّ الوجه والعينين نافذتان الى القلب ، فمتى ما خلا الوجه لهم فإنّ القلب سيخلو ويتوجه إليهم بالتدريج.
ولكن كان من بين الاخوة من هو اكثر ذكاء وارق عاطفة ووجدانا ، لانّه لم يرض بقتل يوسف او إرساله الى البقاع البعيدة التي يخشي عليه من الهلاك فيها ... فاقترح عليهم اقتراحا ثالثا ، وهو ان يلقى في البئر (بشكل لا يصيبه مكروه) لتمرّ قافلة فتأخذه معها ، ويغيب عن وجه أبيه ووجوههم ، حيث تقول الآية في هذا الصدد (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ...).
* * *