جملة «اجمعوا» تدلّ على انّ جميع الاخوة كانوا متفقين على هذه الخطّة ، وان لم يتفقوا جميعا على قتله.
وأساسا فإنّ كلمة «اجمعوا» مأخوذة من مادة «جمع» وهي في هذه الموارد اشارة الى جمع الآراء والأفكار.
ثمّ تبيّن الآية انّ الله اوحى الى يوسف وهدا روعه وألهمه الّا يحزن فالعاقبة له ، إذ تقول : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
ذلك اليوم الذي تجلس فيه على العرش وأنت القوي الأمين ، فيأتي إخوتك ليمدّوا ايدي الحاجة إليك ، ويكونوا كالظامئين الى النبع العذب في الصحراء اللاهبة ويسرعون إليك في منتهى التواضع ، ولكنّك في حال من العظمة بحيث لا يصدّقون انك أخوهم ، وستقول لهم في ذلك اليوم : ألستم الذين فعلتم مع أخيكم الصغير يوسف كذا وكذا ... وكم سيكونون خجلين من فعلهم هذه في ذلك اليوم! وهذا الوحي الالهي لم يكن وحي النبوة ، بقرينة الآية (٢٢) من السورة ذاتها ، بل كان إلهاما لقلب يوسف ليعلم انه ليس وحيدا ، بل له حافظ ورقيب ، وهذا الوحي بثّ في قلب يوسف نور الأمل وأزال عن روحه ظلمات اليأس والحيرة.
لقد نفّذ اخوة يوسف خطتهم كما أرادوا ، ولكن ينبغي ان يفكروا عند العودة ماذا كيف كي يصدّق أبوهم ان يوسف انتهى بصورة طبيعية لا عن مكيدة ليضمنوا عواطف أبيهم نحوهم.
وكانت الفكرة التي أوصلتهم الى هذا الهدف هي ما تخوّف أبوهم منه ، فأقنعوه ـ ظاهرا ـ عن هذا الطريق مدّعين بأنّ الذئب قد أكل يوسف وجاؤوا اليه بدلائل مزيّفة!!
يقول القرآن الكريم : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) بكاء كاذبا ، وهذا يدلّ على انّ البكاء الكاذب ممكن .. ولا يمكن ان يخدع ببكاء العين وحدها.
امّا الأب الذي كان ينتظر مجيء ولده (يوسف) بفارغ الصبر ، فقد اهتز