وكأنّها تسلبه راحته فيظل مبلبل الأفكار سمّيت «عصيبة» وتطلق العرب على الايّام شديدة الحر انّها عصيبة ايضا.
وعلى كل حال ، فإنّ لوطا لم يجد بدا من ان يأتي بضيوفه الى البيت ويقوم بواجب الضيافة ولكنّه حدّثهم في الطريق ـ عدة مرّات ـ انّ اهل هذه المدينة منحرفون واشرار ليكونوا على حذر منهم.
ونقرا في احدى الرّوايات انّ الله سبحانه امر ملائكته ان لا يعذبوا قوم لوط حتى يعترف لوط عليهم ثلاث مرّات ، ومعنى ذلك انّه حتى في تنفيذ حكم الله بالنسبة لقوم ظالمين لا بدّ من تحقق موازين عادلة في المحاكمة ، وقد سمع رسل الله شهادة لوط في قومه ثلاث مرّات أثناء الطريق (١).
وورد في بعض الرّوايات انّ لوطا اخّر ضيوفه كثيرا حتى حلول الليل ، فلعله يستطيع ان يحفظ ماء وجهه من شرور قومه ، ويقوم بواجب الضيافة دون ان يساء الى أضيافه. ولكن ما عسى ان يفعل الإنسان إذا كان عدوه داخل بيته ، وكانت امراة لوط امراة كافرة وتساعد قومه الظالمين ، وقد اطلعت على ورود هؤلاء الأضياف الى بيتها ، فصعدت الى أعلى السطح وصفقت بيديها اوّلا ، ثمّ بإشعال النّار وتصاعد الدخان أعلمت جماعة من هؤلاء القوم بأنّ طعمة دسمة قد وقعت في «الشباك» (٢).
يقول القرآن الكريم في هذا الصدد (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) (٣) وكانت حياة هؤلاء القوم مسودّة وملطخة بالعار (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) فكان من حق لوط ان يضيق ذرعا يصرخ ممّا يرى من شدّة استيائه و (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) فأنا مستعد ان أزوجهن ايّاكم (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا
__________________
(١) مجمع البيان ، في شرح الآية آنفة الذكر.
(٢) الميزان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٢.
(٣) «يهرعون» مشتقة من الاهراع ومعناها السياقة الشديدة ، فكأنما تسوق غريزة هؤلاء إياهم بشدة الى أضيافه.