في منزلها الجديد ـ هو تأمين الماء وسد حاجتها منه (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ) (١).
فانتبه يوسف الى صوت وحركة من أعلى البئر ، ثمّ راى الحبل والدلو يسرعان الى النّزول ، فانتهز الفرصة وانتفع من هذا العطاء الالهي وتعلق بالحبل بوثوق.
فأحسّ المأمور بالإتيان بالماء ان الدلو قد ثقل اكثر ممّا ينبغي ، فلمّا سحبه بقوة الى الأعلى فوجئ نظره بغلام كأنّه فلقة قمر ، فصرخ وقال : (يا بُشْرى هذا غُلامٌ).
وشيئا فشيئا سرى خبر يوسف بين جماعة من اهل القافلة ، ولكن من اجل ان لا يذاع هذا الخبر وينتشر ، ولكي يمكن بيع هذا الغلام الجميل في مصر ، اخفوه (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) (٢).
وبالطبع هناك احتمالات اخرى في تفسير هذه الجملة منها ان الذين عثروا على يوسف اسرّوه واخفوا خبره ، وقالوا : هذا متاع لأصحاب هذا الجبّ أودعوه عندنا لنبيعه في مصر.
ومنها ان احد اخوة يوسف كان بين الحين والحين يأتي الى الجبّ ليطلع على يوسف ويأتيه بالطعام وحين اطلع اخوة يوسف على ما جرى اخفوا علاقتهم الاخوية بيوسف وقالوا : هذا غلامنا فرّ من أيدينا واختفى هنا ، وهددوا يوسف بالموت إذ كشف الستار عن الحقيقة.
ولكن التّفسير الاوّل يبدو اقرب للنظر.
وتقول الآية في نهايتها : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) وبالرغم من اختلاف المفسّرين في من هم الذين شروا يوسف بثمن بخس ، وقول بعضهم : هم اخوة
__________________
(١) «الوارد» في الأصل من «الورود» وهو من يأتي بالماء ، ثمّ توسع استعمال الكلمة وأطلقت على كل ورود ودخول.
(٢) «البضاعة» في الأصل من مادة «بضع» على وزن «نذر» ومعناها : القطعة من اللحم ، ثمّ توسعوا في المعنى وأطلقوا هذا اللفظ على القطعة المهمّة ، من المال. والبضعة هي القطعة من الجسد ، وحسن البضع معناه : الإنسان المكتنز لحمه ، و «بضع» على وزن «حزب» معناه العدد من ثلاثة الى عشرة (راجع المفردات للراغب).