يوسف ، ولكن ظاهر الآيات هو من كان في القافلة ، وقد تمّ البحث عن اخوته في نهاية الآية التي سبقت هذه الآيات ، وجميع الضمائر في الجمل (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً) تعود على من كان في القافلة.
هنا يبرز هذا السؤال وهو : لم باعوا يوسف الذي كان يعدّ ـ على الأقل ـ غلاما ذا قيمة بثمن قليل ، او كما عبّر عنه القرآن (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ...)؟
ولكن هذا امر مألوف فإنّ السراق او أولئك الذين تأتيهم بضاعة مهمّة دون اي تعب ونصب يبيعونها سريعا لئلا يطلع الآخرون.
ومن الطبيعي انّهم لا يستطيعون بهذه الفورية ان يبيعوه بسعر غال.
و «البخس» في الأصل معناه تقليل قيمة الشيء ظلما ، ولذلك فإنّ القرآن يقول : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) (١).
ثمّ انّ هناك اختلافا آخر بين المفسّرين في الثمن الذي بيع به يوسف ، وكيف قسّم بينهم؟ فقال البعض : عشرون درهما ، وقالت طائفة : اثنان وعشرون ، ومع ملاحظة انّ الباعة كانوا عشرين يتّضح سهم كل منهم ، وكم هو زهيد! ... وتقول الآية : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ).
وفي الحقيقة انّ هذه الجملة في حكم بيان العلة للجملة المتقدمة ، وهي اشارة الى انّهم باعوا يوسف بثمن بخس ، لانّهم لم يرغبوا في هذه المعاملة ولم يعتنوا بها.
وهذا البيع البخس امّا لانّ اهل القافلة اشتروا يوسف بثمن بخس ، والإنسان إذا اشترى شيئا رخيصا باعه رخيصا عادة ، او انّهم كانوا يخافون ان يفتضح سرّهم ويجدون من يدّعيه ، او من جهة انّهم لم يجدوا في يوسف أثرا للغلام الذي يباع ويشترى ، بل وجدوا فيه آثار الحرّية واضحة في وجهه ، ومن هنا فلا البائعون كانوا راغبين ببيعه ولا المشترون كانوا راغبين بشرائه.
* * *
__________________
(١) هود ، ٨٥.