لانّكم من بلد اجنبي ، فأتوا بأخيكم الصغير في سفركم القادم لتثبتوا صدقكم ، وتدفعوا التّهمة عن أنفسكم.
وهنا يقول القرآن الكريم : انّه حينما جهّزهم يوسف بجهازهم وأرادوا الرحيل عن مصر (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) لكنّه ختم كلامه بتهديد مبطّن لهم ، وهو انّني سوف امنع عنكم المؤن والحبوب إذا لم تأتوني بأخيكم (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) ، وكان يوسف يحاول بشتّى الطرق ، تارة بالتهديد ، واخرى بالتحبّب ، ان يلتقي بأخيه بنيامين ويبقيه عنده. وظهر من سياق الآيات.
أمران : انّ الحبوب كانت تباع وتشترى في مصر بالكيل لا بالوزن ، واتّضح ايضا انّ يوسف كان يستقبل الضيوف ـ ومنهم اخوته ـ الذين كانوا يفدون الى مصر بحفاوة بالغة ويستظيفهم بأحسن وجه.
وأجاب اخوة يوسف على طلب أخيهم : (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ويستفاد من قوله (إِنَّا لَفاعِلُونَ) واجابتهم الصريحة لعزيز مصر ، انّهم كانوا مطمئنين الى قدرتهم على التأثير على أبيهم وأخذ الموافقة منه ، وكيف لا يكونون مطمئنين بقدرتهم على ذلك وهم الذين استطاعوا بإصرارهم والحاحهم ان يفرّقوا بين يوسف وأبيه؟!
وأخيرا امر يوسف رجاله بأن يضعوا الأموال التي اشتروا بها الحبوب في رحالهم ـ جلبا لعواطفهم ـ (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
* * *