حصّتهم من الحبوب والمؤن.
ومن هنا يقول القرآن : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) ولا سبيل لنا للحصول عليه الّا ان ترسل معنا أخانا (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) وكن على يقين من انّنا سوف نحافظ عليه ونمنعه من الآخرين (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
امّا الأب الشيخ الكبير الذي لم يمح صورة (يوسف) عن ذاكرته مرّ السنين فإنّه حينما سمع هذا الكلام استولى عليه الخوف وقال لهم معاتبا : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) فكيف تتوقّعون منّي ان اطمئن بكم والبّي طلبكم واوافق على سفر ولدي وفلذّة كبدي معكم الى بلاد بعيدة ، ولا زلت اذكر تخلفّكم في المرّة السابقة عن عهدكم ، ثمّ أضاف (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) هذه العبارة لعلّها اشارة الى ما تحدّثت به نفس يعقوب من انّه يصعب عليّ ان اوافق على سفر بنيامين معكم وقد عرفت سوءكم في المرّة السابقة ، لكن حتّى لو وافقت على ذلك فإنّني اتّكل على الله سبحانه وتعالى الذي هو ارحم الراحمين واطلب رعايته وحفظه منه لا منكم.
الآية السابقة لا تدلّ على الموافقة القطعيّة وقبوله لطلبهم ، وانّما هي مجرّد احتمال منه حيث انّ الآيات القادمة تظهر انّ يعقوب لم يكن قد وافق على طلبهم الّا بعد ان أخذ منهم العهود والمواثيق ، والاحتمال الآخر هو انّ هذه الآية لعلّها اشارة الى يوسف ، حيث كان يعلم انّه على قيد الحياة (وسوف نقرا في الآيات القادمة انّه كان على يقين بحياة يوسف) فدعا له بالحفظ.
ثمّ انّ الاخوة حينما عادوا من مصر (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) فشاهدوا انّ هذا الأمر هو برهان قاطع على صحّة طلبهم ، فجاءوا الى أبيهم و (قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) وهل هناك فضل وكرم اكثر من هذا ان يقوم حاكم اجنبي وفي ظروف القحط والجفاف ،