بمساعدتنا ويبيع لنا الحبوب والمؤن ثمّ يردّ إلينا ما دفعناه ثمنا له؟!
ثمّ انّه ردّ بضاعتنا علينا بشكل خفي بحيث لا يستثير فينا الخجل ـ أليس هذا غاية الجود والكرم؟! فيا أبانا ليس هناك مجال للتأخير ـ ابعث معنا أخانا لكي نسافر ونشتري الطعام (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) وسوف نكون جادّين في حفظ أخينا (وَنَحْفَظُ أَخانا) ، وهكذا نتمكّن من ان نشتري كيل بعير من الحبوب (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) وانّنا على يقين في انّ سماحة العزيز وكرمه ـ سوف يسهّلان حصوله و (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).
وفي كلّ الأحوال ـ رفض يعقوب إرسال ابنه بنيامين معهم ، ولكنّه كان يواجه إصرار أولاده بمنطقهم القوي بحيث اضطرّ الى التنازل على مطلبهم ولم ير بدّا من القبول ، ولكنّهوافق بشرط : (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) ، والمقصود من قوله (مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) هو العهد واليمين المتضمّن لاسم الله سبحانه وتعالى ، وامّا جملة (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) فهي في الواقع بمعنى ـ الّا إذا أحاطت بكم وغلبتكم الحوادث ، ولعلّها اشارة الى حوادث الموت او غيرها من الحوادث والمصائب التي تسلب قدرة الإنسان وتقصم ظهره وتجعله عاجزا.
وذكر هذا الاستثناء دليل بارز على ذكاء نبي الله يعقوب وفطنته ، فإنّه برغم حبّه الشديد لولده بنيامين لكنّه لم يحمل أولاده بما لا يطيقوا وقال لهم : انّكم مسئولون عن سلامة ولدي العزيز وانّي سوف اطلبه منكم الّا ان تغلبكم الحوادث القاهرة ، فحينئذ لا حرج عليكم.
وعلى كلّ حال فقد وافق اخوة يوسف بدورهم على شرط أبيهم ، وحينما أعطوه العهد والمواثيق المغلّظة قال يعقوب : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).
* * *