الغضب وقال مخاطبا ايّاهم بنفس العبارة التي خاطبهم بها حينما أرادوا ان يشرحوا له خديعتهم مع يوسف (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) اي انّ أهواءكم الشيطانية هي التي استولت عليكم وزيّنت لكم الأمر بهذه الصورة التي أنتم تصفونه.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هو انّ يعقوب هل اكتفى في نسبة الكذب واتّباع الهوى لأولاده استنادا الى ما فعلوه في المرّة السابقة مع يوسف من سوء الفعل والحنث باليمين والعهد ، مع انّ مثل هذا الظنّ والقول واتّهام الآخرين لمجرّد تجربة سابقة بعيد عن سيرة عامّة الناس فضلا عن يعقوب الذي هو نبي معصوم ، وعلى الخصوص إذا استند المدّعي في دعواه على وثائق ومستندات تثبت دعواه ، كما انّ طريق الفحص والتحقيق عن واقع الحال كان مفتوحا ليعقوب.
او كان يعقوب يقصد بقوله : (بل سّولت لكم ... الى آخر) الاشارة الى امور اخرى ، منها :
١ ـ لعلّه عتاب لأولاده لخضوعهم امام الأمر الواقع وتسليمهم لحكم العزيز بمجرّد عثور الصاع عند أخيهم ، مع انّ العثور بمفرده لا يعدّ دليلا منطقيّا على السرقة.
٢ ـ ولعلّه عتاب لأولاده لما بيّنوه للعزيز من انّ عقوبة السارق عندهم هو استعباده مع انّ هذه السنّة السائرة في اهل كنعان سنّة باطلة ولا تعدّ قانونا سماويا (هذا ان قلنا انّ هذه السنّة لم تكن مأخوذة من شريعة يعقوب كما ذهب اليه بعض المفسّرين).
٣ ـ وأخيرا لعلّه عتاب لأولاده على استعجالهم في الخضوع لأحكام العزيز وخلق المعاذير والمبرّرات والرجوع مستعجلين الى كنعان دون الاقتداء بأخيهم الكبير في البقاء بمصر برغم العهود والمواثيق المغلّظة التي قطعوها مع أبيهم (١).
__________________
(١) احتمل بعض المفسّرين انّ هذه الآية لعلّها اشارة الى قصّة يوسف ، لكنّه بعيد عن الواقع ، لانّ الآيات السابقة لا