لكن بعد هذا العتاب المليء بالحزن والاسى رجع يعقوب الى قرارة نفسه وقال : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) اي انّني سوف امسك بزمام نفسي ، ولا اسمح لها بأن تطغى عليّ بل اصبر صبرا جميلا على امل بأنّ الله سبحانه وتعالى سوف يعيد لي اولادي (يوسف وبنيامين وأخوهم الأكبر) (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) فإنّه هو العالم بواقع الأمور والخبير بحوادث العالم ما مضى منها وما سوف يأتي ، ولا يفعل الّا عن حكمة وتدبير (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
ثمّ بعد هذه المحاورات بين يعقوب وأولاده ، استولى عليه الحزن والألم ، وحينما رأى مكان بنيامين خاليا عادت ذكريات ولده العزيز يوسف إلى ذهنه ، وتذكّر تلك الايّام الجميلة التي كان يحتضن فيها ولده الجميل ذا الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة والذكاء العالي فيشمّ رائحته الطيّبة ويستعيد نشاطه ، امّا اليوم فلم يبق منه اثر ولا عن حياته خبر ، كما أنّ خليفته (بنيامين) ايضا قد ابتلي مثل يوسف بحادث مؤلم وذهب الى مصير مجهول لا تعرف عاقبته.
حينما تذكّر يعقوب هذه الأمور ابتعد عن أولاده واستعبر ليوسف (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) امّا الاخوة فإنّهم حينما سمعوا باسم يوسف ، ظهر على جبينهم عرق الندامة وازداد خجلهم واستولى عليهم الحزن لمصير اخويهم بنيامين ويوسف ، واشتدّ حزن يعقوب وبكاؤه على المصائب المتكرّرة وفقد اعزّ أولاده (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) لكن يعقوب كان ـ في جميع الأحوال مسيطرا على حزنه ويخفّف من آلامه ويكظم غيظه وان لا يتفوّه بما لا يرضى به الله سبحان وتعالى (فَهُوَ كَظِيمٌ).
يفهم من هذه الآيات انّ يعقوب لم يكن فاقدا لبصره ، لكنّ المصائب الاخيرة وشدّة حزنه ودوام بكائه افقده بصره ، وكما أشرنا سابقا فإنّ هذا الحزن والألم والعمى كان خارجا عن قدرته واختياره ، فإذا لا يتنافى مع الصبر الجميل.
__________________
تبحث عن قضيّة يوسف وفراقه عن أبويه.