امّا الاخوة فكانوا متألّمين من جميع ما جرى لهم ، فمن جهة كان عذاب الوجدان لا يتركهم ممّا أحدثوه ليوسف ، ـ وفي قضيّة بنيامين ـ شاهدوا أنفسهم في وضع صعب وامتحان جديد ، ومن جهة ثالثة كان يصعب عليهم ان يشاهدوا أباهم يتجرّع غصص المرارة والألم ويواصل بكاؤه الليل بالنهار ، توجّهوا الى أبيهم وخاطبوه معاتبين (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) (١) اي انّك تردّد ذكر يوسف وتتأسّف عليه حتّى تتمرّض وتشرف على الهلاك وتموت.
لكنّ شيخ كنعان هذا النّبي العظيم والمتيقّظ الضمير ردّ عليهم بقوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (٢) لا إليكم ، أنتم الذين تخونون الوعد وتنكثون العهد لانّني (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فهو اللطيف الكريم الذي لا اطلب سواه.
* * *
__________________
(١) (حرض) على وزن مرض بمعنى الشيء الفاسد والمؤلم ، والمقصود منه هنا هو المريض الذي ضعف جسمه وصار مشرفا على الموت.
(٢) (بثّ) بمعنى التفرقة والشيء الذي لا يمكن إخفاؤه ، والمقصود منه هنا هو الألم والحزن الظاهر الذي لا يخفى على احد.