انّ هذه المعلومات الدقيقة لا يعلمها الّا الله ، او واحد من الذين كانوا حاضرين هناك ، وبما انّك لم تكن حاضرا لديهم فالوحي الالهي فقط هو الذي جاءك بهذه الاخبار.
ومن هنا يتّضح انّ قصّة يوسف بما انّها وردت في التوراة فأهل الحجاز عندهم معلومات تقريبيّة عنها ، ولكن كلّ هذه الحوادث لم تطرح بهذه الدقّة في جزئياتها ابدا ، وحتّى في المحافل الخاصّة السابقة لم تكن تعرف بدون اضافة وخرافة.
وعلى اي حال كان لزاما على الناس ان يؤمنوا بعد مشاهدتهم لعلائم الوحي وسماعهم لهذه النصائح الالهيّة ، وان يتراجعوا عن طريق الغيّ ، ولكن يا ايّها النّبي : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
انّ الوصف ب (الحرص) هنا دليل على شوق ولهفة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لانّ يؤمن الناس ، ولكن ما الفائدة ، فإصراره وشوقه لم يكونا كافيين ، فمن شرط الايمان الاستعداد والقابلية في نفس الشخص.
انّ أبناء يعقوب عليهالسلام كانوا يعيشون في بيت الوحي والنبوّة ، ومع ذلك نرى كيف عصفت بهم الأهواء حتّى كادوا ان يقتلوا أخاهم ، فكيف نتوقّع من جميع الناس ان يتغلّبوا على أهوائهم وشهواتهم مرّة واحدة وبشكل جماعي ويؤمنوا بالله؟
وهذه الآية بالاضافة الى ما ذكرنا هي تسلية لقلب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى لا ييأس ابدا من إصرارهم على الكفر والذنوب ولا يستوحش الطريق لقلّة أصحابه ، كما نقرا في آيات اخرى من القرآن الكريم الكهف (٦) : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) وقوله تعالى : (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) فهؤلاء في الواقع ليس لهم اي عذر او مبرّر لعدم قبول الدعوة بالاضافة الى ما اتّضح من علامات الحقّ انّك لم تسألهم اجرا حتّى يكون مبرّرا لمخالفتك :