الرَّشِيدُ) هل كان كلاما واقعيا من منطلق الايمان به ، ام هو على سبيل الاستهزاء والسخرية؟!
احتمل المفسّرون الوجهين ولكن مع ملاحظة أسلوب سؤالهم (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) الذي يستبطن الاستهزاء ، يظهر انّ هذه الجملة على نحو الاستهزاء ، وهي اشارة الى انّ الإنسان الحليم الرشيد هو من لم يتعجل القول او الراي في امر دون ان يسبر غوره ويعرف كنهه ، والإنسان العاقل الرشيد هو من لم يسحق سنن قومه تحت رجليه ويسلب حريتهم في التصرف بأموالهم ، فيظهر انّك لم تسبر غور الأمور وليس لديك عقل حصيف وفكر عميق ، لانّ الفكر العميق والعقل يوجبان على الإنسان الّا يرفع يده عن طريقة السلف ، ولا يسلب من الآخرين الاختيار وحرية العمل.
ولكن شعيبا ردّ على من اتّهمه بالسفه وقلّة العقل بكلام متين و (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) (١).
انّه يريد ان يفهم قومه انّ في عمله هذا هدفا معنويا وانسانيا وتربويا ، وانّه يعرف حقائق لا يعرفها قومه ، والإنسان دائما عدوّ ما جهل.
ومن الطريف انّه في هذه الآيات يكرر عبارة (يا قَوْمِ) وذلك ليعبّئ عواطفهم لقبول الحق وليشعرهم بأنّهم منه وانّه منهم ، سواء أكان المقصود بالقوم القبيلة او الطائفة او الجماعة او الاسرة ، ام كان المقصود الجماعة التي كان يعيش وسطهم ويعدّ جزءا منهم.
ثمّ يضيف هذا النّبي العظيم قائلا : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) فلا تتصوروا انني أقول لكم لا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تنقصوا المكيال ، وانا ابخس الناس او انقص المكيال ، او أقول لكم لا تعبدوا الأوثان وانا افعل
__________________
(١) ينبغي الالتفات الى انّ جزاء الجملة الشرطية محذوف هنا وتقديره هكذا ، أفأعدل مع ذلك عمّا انا عليه من عبادته وتبليغ دينه.