ذلك كلّه ، كلا فإنّني لا افعل شيئا من ذلك ابدا.
ويستفاد من هذه الجملة انّهم كانوا يتهمون شعيبا بأنّه كان يريد الربح لنفسه ، ولهذا فهو ينفي هذا الموضوع صراحة ويقول تعقيبا على ما سبق (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
وهذا هو هدف الأنبياء جميعا ، حيث كانوا يسعون الى إصلاح العقيدة ، وإصلاح الأخلاق ، وإصلاح العمل ، وإصلاح العلائق والروابط الاجتماعية وانظمتها (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) للوصول الى هذا الهدف.
وعلى هذا فإنني ، ولأجل أداء رسالتي والوصول الى هذا الهدف الكبير (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
وأسعى للاستعانة به على حل المشاكل ، وأتوكل عليه في تحمّل الشدائد في هذا الطريق ، وأعود اليه ايضا.
ثمّ ينبههم الى مسألة أخلاقية ، وهي انّه كثيرا ما يحدث للإنسان انّه لا يعرف مصالحه وينسى مصيره ، وذلك بسبب بغضه وعدائه بالنسبة لشخص آخر او التعصب الأعمى واللجاجة في شيء ما ، فيقول لهم (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) فتبتلوا بما ابتلى به غيركم و (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) وما حدث لقوم لوط من البلاء العظيم حيث امطرهم الله بحجارة من سجيل منضود وقلب مدنهم فجعل عاليها سافلها (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) فلا زمانهم بعيد عنكم كثيرا ، ولا مكان حياتهم ، كما انّ اعمالكم وذنوبكم لا تقل عن اعمالهم وذنوبهم ايضا.
و «مدين» التي كانت موطن شعيب لم تكن بعيدة عن موطن قوم لوط ، لانّ الموطنين كلاهما كانا من مناطق «الشامات» وإذا كان بينهما فاصل زمني ، فلم يكن الفاصل بالمقدار الذي يستدعي نسيان تأريخه ، وامّا من الناحية العملية فالفرق كبير بين الانحراف الجنسي الذي كان عليه قوم لوط والانحراف