الاقتصادي الذي كان عليه قوم شعيب ، لكن كليهما يتشابهان في توليد الفساد في المجتمع والإخلال بالنظام الاجتماعي واماتة الفضائل الخلقية واشاعة الانحراف ، ومن هنا نجد في الرّوايات أحيانا مقارنة الدرهم الربوي المرتبط ـ بالطبع ـ بالمسائل الاقتصادية بالزنا الذي هو تلوّث جنسي (١).
ثمّ يأمر شعيب قومه الضالين بشيئين هما في الواقع ما كان يؤكّد عليه جميع الأنبياء المتقدمين.
الاوّل : قوله : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) اي لتطهروا من الذنوب وتجتنبوا الشرك وعبادة الأوثان والخيانة في المعاملات.
والثّاني : قوله : (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) اي ارجعوا اليه.
والواقع انّ الاستغفار توقف في مسير الذنب وغسل النفس ، والتوبة عودة الى الله الكمال المطلق.
واعلموا انّه مهما يكن الذنب عظيما والوزر ثقيلا فإنّ طريق العودة اليه تعالى مفتوح وذلك لانّ (رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ).
وكلمة «الودود» صيغة مبالغة مشتقّة من الود ومعناه المحبّة ، وذكر هذه الكلمة بعد كلمة «رحيم» اشارة الى انّ الله يلتفت بحكم رحمته الى المذنبين التائبين ، بل هو اضافة الى ذلك يحبّهم كثيرا لانّ رحمته ومحبته هما الدافع لقبول الاستغفار وتوبة العباد.
* * *
__________________
(١) ينبغي ذكر هذه المسألة ايضا وهي انّ جملة (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) ذات احتمالين :
الاوّل : بمعنى لا يحملنكم ، ففي هذه الصورة تكون على النحو التالي لا يجرمن فعل و (شقاقي) فاعله ، و «كم» الضمير المتصل بالفعل مفعول به اوّل و (أَنْ يُصِيبَكُمْ) مصدر مؤول مفعول ثان فيكون معنى الآية : يا قوم لا يحملنكم شقاقي (مخالفتكم اياي) ان يصيبكم مصير كمصير قوم نوح وأمثالهم من الأقوام المذكورين.
الاحتمال الثّاني : انّ (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) اي لا يجرنكم الى الذنب والاجرام ، ففي هذه الصورة تكون الجملة على النحو التالي ، و «لا يجرمن» فعل و «شقاقي» فاعله و «كم» مفعوله و «انى يصيبكم» نتيجته ، ويكون معنى الآية كما ذكرناه في المتن.