ولكي يبيّن اكثر ما هو النّور يقول تعالى : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) فعزّته دالّة على قدرته ، لانّه لا يستطيع احد ان يغلبه ، والحميد دالّة على نعمه ومواهبه غير المتناهية ، لانّ الحمد والثناء دائما تكون في مقابل النعم والمواهب.
الآية الثانية ولكي تعرّف الله بصفاته ، تبيّن درسا من دروس التوحيد حيث تقول : (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٢) فله كلّ شيء ، لانّه خالق جميع الموجودات ، ولهذا السبب هو القادر والعزيز وواهب النعم والحميد.
ثمّ يتطرّق في نهاية الآية الى مسألة المعاد (بعد ان ذكر المبدإ) فتقول الآية : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ).
ثمّ يعرّف القرآن الكريم الكفّار في الآية الاخرى ، ويذكر لهم ثلاث صفات كيما نستطيع ان نعرّفهم من اوّل وهلة ، يقول تعالى اوّلا : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) (٣) فهم يضحّون بالايمان والحقّ والعدالة والشرف التي هي من خصائص محبّي الآخرة ، من اجل منافعهم الشخصيّة وشهواتهم.
ثمّ يبيّن تعالى انّ هؤلاء غير قانعين بهذا المقدار من الضلال ، بل يسعون في ان يضلّوا الآخرين (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فهم في الواقع يوجدون الموانع المختلفة في طريق الفطرة الالهيّة فيزيّنون الهوى ، ويدعون الناس الى الذنوب ، ويخوّفونهم من الصدق والإخلاص.
ولا يقتصر عملهم على ذلك فحسب ، بل (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ثمّ يحاولون ان يصبغوا الآخرين بصبغتهم ، ويسعون في ان يحرفوا السبيل للوصول الى هدفهم من خلال نشر الخرافات وابتداع السنن الخبيثة (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).
__________________
(١) «الى صراط الله» في الواقع بدل من «الى النّور» فالمقصود من الهداية الى النّور هو الهداية الى صراط العزيز الحميد ، و «كتاب أنزلناه» خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذا كتاب أنزلناه.
(٢) (الله) : بالكسر لانّه بدل من (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
(٣) يقول الراغب في مفرداته : استحبّ الكفر على الايمان ، والاستحباب هو سعي الإنسان لان يحبّ شيئا ، وإذا ما تعدّى ب (على) فسوف يصرف عنه المعنى المتقدّم كما في (أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى).