وردت بصيغة الاستفهام الانكاري ـ اشارت إليها هذه العبارة : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهذه العبارة إذا أردنا تجزئتها وتحليلها بشكل موسّع لا تكفيها آلاف الكتب.
انّ مطالعتنا لاسرار الوجود ونظام الخلقة لا تهدينا الى وجود الله فحسب ، بل الى صفاته الكمالية ايضا كعلمه وقدرته وحكمته.
ثمّ يجيب القرآن الكريم على ثاني اعتراض للمخالفين ، وهو اعتراضهم على مسألة الرسالة (لانّ شكّهم كان في الله وفي دعوة الرّسول) ويقول انّ من المسلّم انّ الله القادر والحكيم لا يترك عباده بدون قائد ، بل انّه بإرسال الرسل : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (١).
وزيادة على ذلك فإنّه (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) كيما تسلكوا سبيل التكامل وتستفيدوا من موهبة الحياة بأقصى ما يمكنكم.
انّ غاية دعوة الأنبياء أمران : أحدهما غفران الذنوب ، بمعنى تطهير الروح والجسم والمحيط الانساني ، والثّاني استمرار الحياة الى الوقت المعلوم ، والاثنان علّة ومعلول ، فالمجتمع الذي يستمرّ في وجوده هو المجتمع النقي من الظلم والذنوب.
ففي طول التاريخ أبيدت مجتمعات كثيرة بسبب الظلم والذنوب واتّباع الهوى ، وبتعبير القرآن لم يصلوا (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
روي في حديث جامع عن الامام الصادق عليهالسلام قال : «من يموت بالذّنوب اكثر ممّن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان اكثر ممّن يعيش بالأعمال» (٢).
__________________
(١) هناك جدل بين المفسّرين في معنى «من» ، فقال بعضهم بالتبعيض ، اي يغفر قسما من ذنوبكم ، وهذا الاحتمال ضعيف لانّ الايمان يؤدّي الى غفران الذنوب كلّها (الإسلام يجب ما قبله) واحتمل البعض الآخر انّ «من» بدل ، فيكون معنى الجملة يدعوكم ليغفر ذنوبكم بدل الايمان ، وقال آخرون : انّ «من» هنا زائدة للتأكيد ، ومعناه : انّ الله تعالى يدعوكم للايمان ليغفر لكم ذنوبكم ، وهذا التّفسير نراه اقرب الى الصحّة.
(٢) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، ص ٤٨٨.