والتوفيق لا يناله الّا (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) فلطفه ومنّه ليس بدون حساب ودليل ، ولا يناله الّا من احسّ بمسؤوليته في مقابل العدل الالهي ، لا الظالمين والمعاندين لطريق الحقّ.
وحين انقطعت الأسباب بالأنبياء من كلّ جانب ، وادّوا جميع وظائفهم في قومهم ، فآمن منهم من آمن ، وبقي على الكفر من بقي ، وبلغ ظلم الظالمين مداه ، في هذه الأثناء طلبوا النصر من الله تعالى (وَاسْتَفْتَحُوا ...) وقد استجاب الله عزوجل دعاء المجاهدين المخلصين (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).
«خاب» من الخيبة بمعنى فقدان المطلوب.
و «جبّار» بمعنى المتكبّر هنا ، ورد في الحديث انّ امراة جاءت النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمرها بشيء ، فلم تطعه فقال النّبي : دعوها فإنّها جبّارة (١).
وتطلق هذه الكلمة أحيانا على الله جلّ وعلا فتعطي معنى آخر ، وهو (جبر وإصلاح من هو بحاجة الى الإصلاح) او بمعنى (المتسلّط على كلّ شيء) (٢).
و «العنيد» في الأصل من «العند» على وزن (رند) بمعنى الاتّجاه ، وجاءت هنا بمعنى الانحراف عن طريق الحقّ.
ولذلك نقرا في رواية عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «كلّ جبّار عنيد من ابى ان يقول لا اله الّا الله». (٣)
وعن الامام الباقر عليهالسلام قال : «العنيد المعرض عن الحقّ». (٤)
ومن الطريف انّ «جبّار» تشير الى صفة نفسانية بمعنى روح العصيان ، و «عنيد» تشير الى آثار تلك الصفة في افعال الإنسان حيث تصرفه عن طريق الحقّ. ثمّ يبيّن نتيجة عمل الجبّارين في الآخرة ضمن آيتين في خمسة مواضع :
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ذيل الآية.
(٢) للتوضيح اكثر راجع تفسير الآية (٤٣) من سورة المائدة من تفسيرنا هذا.
(٣) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.
(٤) المصدر السابق.